نداء واحد، يخرج من حناجر أكثر من 5 ملايين حاج، وقفوا اليوم على صعيد عرفة الطاهر، أتوا من كل فج عميق لأداء الركن الأعظم لفريضة الحج، وهو الوقوف بعرفة مرددين «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك». تلبية لنداء خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، أتى الحجاج تاركين المال والأهل والولد، طامعين فى مغفرة الله، وطامحين فى رضوانه، وقد بشرهم الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم بأن من حج بيت الله الحرام ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه. ملايين الحجاج، وقد اختلفت ألوانهم وتباينت ألسنتهم أتوا من شتى بقاع المعمورة إلى أشرف بقعة على وجه الأرض التى شهدت مولد المصطفى ومهد الرسالة، فاليوم يقول الله لملائكته كما ورد فى الحديث القدسى «إذا كان يوم عرفه ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهى بهم الملائكة، فيقول: انظروا إلى عبادى أتونى شعثا غبرا من كل فج عميق، أشهدكم أنى قد غفرت لهم». ويوم عرفة من الأيام الفاضلة، حيث تجاب فيه الدعوات وتقال العثرات، وهو يوم عظَّم الله أمره، ورفع على الأيام قدره، وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، ويوم مغفرة الذنوب والعتق من النيران، فهنيئا لمن وقف بعرفة، ورزقه الله الوقوف بعرفة بجوار قوم يجأرون إلى الله بقلوب محترقة ودموع مستبقة، فكم فيهم من خائف أزعجه الخوف وأقلقه، ومحب ألهبه الشوق وأحرقه، وراج أحسن الظن بوعد الله وصدقه، وتائب أخلص الله من التوبة وصدقه، وهارب لجأ إلى باب الله وطرقه، فكم هنالك من مستوجب للنار أنقذه الله وأعتقه، ومن أعسر الأوزار فكه وأطلقه، وحينئذ يطلع عليهم أرحم الرحماء، ويباهى بجمعهم أهل السماء، ويدنو ثم يقول: ما أراد هؤلاء؟ لقد قطعنا عند وصولهم الحرمان، وأعطاهم نهاية سؤالهم الرحمن. وعقب غروب شمس يوم عرفة توافد الحجيج فى سلاسل بشرية مهيبة على المزدلفة لأداء صلاتى المغرب والعشاء جمع تأخير، والمبيت بها، ثم التوجه غدا إلى مشعر منى لرمى جمرة العقبة الكبرى، ثم التحلل وأداء طواف الإفاضة والسعى، لحل إحرامهم والعودة إلى منى مرة أخرى للمبيت بها، واستكمال رمى الجمرات خلال أيام التشريق الثلاثة.