هل يريد الجيش أن يحكم؟ لا أعتقد. الجيش يريد الانتقام من مبارك. كيف؟ مبارك فى السنوات العشر الأخيرة أبعد الجيش عن الاقتراب من كرسى السلطة... وبكل ما يمتلكه من رغبة فى الخلود وخوف الشيخ العجوز من مصادر القوة حوله، بحث عن قوة أخرى تسانده ولا تجعله أسير العسكر وحدهم. مبارك لم يجد سوى أصحاب المال، أو الذين رباهم فى مزارعه، ومنحهم تراخيص جمع الثروات، لم يكن أغلبهم رجال اقتصاد أو صناعة أو رأسماليين بالمعنى المتعارف عليه فى دول رأسمالية، لكنهم كانوا موظفين بشكل ما عند النظام، ولهذا هم الآن فى حالة هروب أو اختباء أو لعب من داخل خنادقهم، يمنعون أموالهم من الحركة، ويجسون النبض من السلطة الجديدة، وقبل كل هذا طبعا يؤمنون أنفسهم بأرصدة تنفع ساعة الهروب. ليس أغلب «رجال الأعمال» مافيا، لكن قانون المافيا كان السائد، بقيمه وطبيعة أعماله التى تخلق الولاء لمن يدير ماكينة الفلوس، لا فى النشاط الاقتصادى أو البناء. وهذا غالبا ما كان وراء قوة الجناح العائلى فى سنوات مبارك الأخيرة، حيث لعبت الزوجة وولداها دورا فى مد خطوط القوة بين الرئاسة والجناح المالى فى مواجهة الجناح العسكرى. والمجلس العسكرى رأى الثورة فى هذا السياق: انتصار لجناحه، مقابل هزيمة الجناح العائلى، الذى امتص كل إمكانيات أصحاب الثروات لخدمة مشروع تصعيد جمال مبارك إلى السلطة. المجلس لم يتعامل على أن الثورة تغيير أو عقد اجتماعى يبنى جمهورية جديدة تقوم على الديمقراطية والحريات، لكنه تصورها استدعاء له من الشعب وتفويضا بإعادة الأوضاع كما رسمتها عقلية الجنرالات بعد يوليو 1952. يتصور المجلس أن هذه هى الدولة، ولا دولة غيرها، وأن وثبتهم إلى مقر إدارة البلاد من أجل إعادة الدولة إلى ما قبل مبارك، جمهورية جنرالات أوصياء على الشعب، تكمن مهارتهم فى الترويض. لا يريد المجلس أن يحكم، لكنه يريد أن يتحكم، وهذه المرة بالدستور، لا بالسلطة المعنوية لجنرالات يوليو، ويريد أساسا أن لا يسمح لأحد المساس بميزة التحكم. وهذا هو سر المادة «9» من الوثيقة المرتبطة باسم الدكتور على السلمى. المادة تقر انفراد الجيش بميزانيته وبحق التشريعات الخاصة بالقوات المسلحة، وهو وضع يضع الجيش فى موقع وصاية أو «دولة» داخل الدولة. كيف يمكن أن يحكم رئيس أو حكومة فى ظل وصاية الجيش؟ هل يريدون رئيسا ضعيفا وحكومة تنظر إلى بوصلة وزارة الدفاع قبل اتخاذ أى قرار؟ الإجابات كلها تكشف عن رغبة فى إعادة ترميم جمهورية التسلط، وهى رغبة لم تكن معلنة بهذا الوضوح إلا بعد خطوات سابقة صنعت فيها فوضى سياسية وأمنية برعاية المجلس العسكرى، وتصور من صنع هذه الفوضى أنها ستجعل القوى المدنية والثورية وكل المجتمع يهرول إليه مستغيثا: أنقذنا مما صنعت يداك! يتصور المجلس ومستشاروه أن البند «9» سيمر، لكى ينقذ الجيش الدولة من تيار فى السلفيين لا يخفى تخطيطه فى خطف الدولة. تيار لا يخفى نزعته إلى تحقيق أحلامه التى فشلت بالإرهاب، عبر ديمقراطية يلغيها فى لحظة تمكنه من السلطة، هذه هى الفزاعة التى تصور المجلس أنها ستصفّ خلفه كل القوى المدنية والديمقراطية والثورية على اختلاف أطيافها. لكن الفزاعة لا تعمل جيدا، لا لأنها لا تثير الفزع، لكن الرغبة والحلم ببناء جمهورية ديمقراطية أكبر بكثير هذه المرة من الخوف من تيارات خطف الدولة وتحويلها إلى طالبان. الخوف لا يصنع أفكارا ويقتل الروح. والثورة رغم تحالف قوى كثيرة برعاية المجلس ضدها، ورغم حصارها إعلاميا وسياسيا، وإنهاكها بين التحقيقات والجنازات.. ما زال روحها قويا بشكل لا يجعلها تقع فى فخ الاستقطاب بين الثكنة والكهف. الثورة ترفض استقطابها بين الجنرال وأحزاب طالبان.