عندما احتل الاتحاد السوفييتى أفغانستان، وجدت أمريكا فى هذا فرصة مثالية، لتدمير الكيان السوفييتى، بلعبة جديدة، هى مزيج من خبرات التاريخ، ونظرا إلى أنه كان يعتمد فى احتلاله على فارق القوة والتكنولوجيا، بين الاتحاد السوفييتى وأفغانستان، أنشأت المخابرات الأمريكية تنظيم القاعدة، ورعته، ودرّبته على المواجهات العسكرية، من خلال خبرائها، وزوّدته بالأسلحة والصواريخ، لاصطياد طائرات الهليكوبتر السوفييتية، بغرض إنهاك الاقتصاد السوفييتى، إلى الحد الذى ينهك الكيان كله، ويفقده القدرة على مواجهة الكيان الأمريكى.. وقد كان.. لعبة الأمم إذن تمارَس وبنجاح، عبر الأمم نفسها، وبأيدى شعبها، الذى تحرّكه انفعالاته ومشاعره، لا عقله وحكمته.. واللعبة تعتمد على وضع اللاعب أمام اختيارين صعبين: إما أن يدرك أنها مؤامرة، فيكون عليه أن يكتم انفعالاته، ويسيطر على مشاعره، وهذا أمر ممكن، لو أننا نتحدّث عن شخص واحد، أو عن مجموعة عاقلة من الأشخاص، ولكنه مستحيل عمليا ومنطقيا وعلميا، عندما تتحدّث عن جموع كبيرة، يحقنها انفعال الأغلبية، فتندفع معها، إما بعدوى الحماس، وإما خشية معاداة فكر الجماعة، وخشية رد فعل هذا.. الاحتمال الآخر، أن يستنكر أنها مؤامرة، على الرغم من أنه ما من ثورة فى التاريخ، لم توجَّه ثورة مضادة ومؤامرة للسيطرة على مقاديرها، وتوجيه الجماهير المنفعلة والمتحمسة إلى حيث تشاء.. فى الحالتين، ومع غياب حكماء الأمة، أو غياب صوتهم، مع ضجيج الانفعال، يندفع الناس نحو الهدف، الذى اختارته لهم المؤامرة، ووجّهتهم إليه، ويدمرون بأيديهم، ما طالبوا به فى ثورتهم.. فإذا ما انتبه بعضهم للمؤامرة، فلا بد من مهاجمته فى عنف، واتهامه بخيانة الثورة، وبالتخاذل، وبشتى الاتهامات، التى إما أن تخرس صوته، وإما أن تحجبه خلف صياح الجماهير.. وفى الحالتين يستمر الاحتقان، الذى يجد دوما من يؤيده فى حماس، وربما فى مبالغة، طمعا فى مقعد فى الصفوف الأولى، فى العهد الجديد، أو مسايرة للجماهير فى انفعالها واندفاعها، حتى لا يخرج من الساحة، فى الأيام العصيبة.. وفى النهاية تكون النتائج لصالح المؤامرة، التى تربح على يد من أيّدوها، دون حتى أن يدركوا هذا.. نعود هنا إلى لعبة «لن»، التى هى الوسيلة المُثلَى، لاستمرار احتقان الشارع، عبر إطلاق شائعات متفجّرة، تثير المشاعر، وتشعل غضب الجماهير، عن أمور «لن» تحدث، وتنسى الجماهير المحتقنة لحظتها أن «لن» هذه فى علم الغيب، وأنه هناك فارق رهيب، بين «لن» و«لم»، وتستعيد مخاوف الماضى كله، ولا تصبر حتى تصل إلى مرحلة «لم» اليقينية، فتندفع مع «لن» فى عنف، وتفسد المستقبل كله، خشية أن لا يأتى.. والحديث عن لعبة «لن» ما زال مستمرا.