بدأت المعارك الحربية بين مصر وإسرائيل فى الساعة السادسة من مساء يوم 29 أكتوبر 1956 بعدوان إسرائيلى غاشم ومفاجئ على سيناء، حيث أسقطت إسرائيل الكتيبة 809 مظلات، وقوامها 400 جندى من المظليين عند ممر متلا، وعلى مقربة من القوات المصرية، وقد تم إسقاط هذه الكتيبة الإسرائيلية بواسطة 16 طائرة نقل إسرائيلية من طراز «داكوتا». كان هذا الهجوم الإسرائيلى المدبر بالاتفاق مع بريطانيا وفرنسا، حتى يكون مبررا لتدخلهم العسكرى، وذلك ردا على قرار تأميم قناة السويس الذى أعلنه الرئيس جمال عبد الناصر فى 26 يوليو 1956. كانت أحداث اليوم الأول للقتال غامضة، حيث بدأت القوات المصرية فى سيناء بتحركات بسيطة لصد الهجوم الإسرائيلى دون أن تعلم ما يخبّأ لها من عدوان ثلاثى، لذلك حرصت القوات المصرية على أن لا تلقى عندما لوحظ أن النشاط الجوى المعادى فوق سيناء يفوق إمكانيات الطيران الإسرائيلى وحده، لاحت للقيادة المصرية بوادر اشتراك أطراف أخرى فى المعركة. فى صباح اليوم الثانى 30 أكتوبر 1956 تقدم اللواء الإسرائيلى 202 مظلات، إلى منطقة التمد، التى كانت بها كتيبة من سلاح الحدود المصرى، وعند ذلك قاتلت الكتيبة المصرية ببسالة، وبينما كان القتال يجرى فى التمد كان أربع طائرات ميج 15 مصرية تلقى بقذائفها على كتيبة المظلات الإسرائيلية، مما كبدها خسائر جسيمة، وفى نفس الوقت قامت القوات الجوية المصرية بضرب مطار «رامات دافيد»، اعتبارا من بعد ظهر يوم 30 أكتوبر، كما تم ضرب مطار «عكير» الإسرائيلى، وكذلك مطار «كاستينا». مفاجأة الإنذار البريطانى الفرنسى: فى الساعة السادسة والربع من مساء يوم 30 أكتوبر 1956، وخلال العمليات العنيفة، أذاعت إنجلترا وفرنسا إنذارهما الشهير إلى كل من مصر وإسرائيل، ليسحب كل منهما قواته إلى مسافة عشرة أميال من قناة السويس، وكان نص الإنذار كالتالى: إن حكومة المملكة المتحدة وفرنسا، تطالبان الحكومة المصرية بما يلى: أولا، وقف جميع العمليات الحربية فى البر والبحر والجو وخلافه. ثانيا، أن تنسحب جميع القوات المسلحة إلى مسافة عشرة أميال من قناة السويس. ثالثا، أن تقبل مصر بالاحتلال المؤقت للمواقع الحيوية فى بورسعيد والإسماعيليةوالسويس بواسطة القوات الإنجليزية والفرنسية، وذلك حتى يتسنى ضمان حرية الملاحة، ومرور سفن جميع الدول عبر القناة، وحتى يمكن الفصل بين المتحاربين. وأضاف البيان أن حكومتى المملكة المتحدة وفرنسا تطالبان بالرد على هذا التبليغ فى خلال 12 ساعة، وفى حالة انتهاء الوقت دون قيام إحدى الدولتين أو كلتيهما بالإذعان لتلك الطلبات، فإن قوات المملكة المتحدة وفرنسا ستدخل بالدرجة الكافية لضمان الإذعان -أى إنهاء الإنذار فى الساعة السادسة والربع صباح يوم 31 أكتوبر 1956. وقد رفضت الحكومة المصرية بالطبع الإنذار البريطانى-الفرنسى، لأن القوات الإسرائيلية كانت بعيدة جدا عن قناة السويس، بل ومتورطة فى قتالها مع القوات المصرية فى سيناء، خصوصا بعد وصول الآلاى الثانى المدرع المصرى القادم من الإسماعيلية إلى منطقة الاشتباكات، وتكبيده لواء المظلات الإسرائيلى خسائر فادحة. وهنا أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية القرارات التالية: - توقف جميع الأعمال التعرضية والتحركات إلى الأمام فى سيناء. - تتخذ الإجراءات لسحب الاحتياطى الاستراتيجى من سيناء إلى غرب القنال. - يتحرك الاحتياطى المدرع للقيادة الشرقية من منطقة الحمة إلى منطقة الجفجافة، توطئة لسحبه غرب القناة. - تستعد القوات الأخرى بسيناء للانتقال إلى غرب القناة بمجرد صدور أوامر وأعمال إعادة التجميع. وفى الساعة السابعة مساء يوم 31 أكتوبر بدأت قنابل الطائرات الكانبرا البريطانية تنهال على مصر، وزال كل شك فى حقيقة الموقف. وتم استكمال الانسحاب الكامل للقوات المصرية من سيناء، واحتلالها بواسطة القوات الإسرائيلية. «المدمرة إبراهيم» ومهمتها الانتحارية: بعد رفض الإنذار البريطانى الفرنسى يوم 30 أكتوبر 1956 صدرت الأوامر إلى المدمرة «إبراهيم الأول» الموجودة فى ميناء بورسعيد بالتحرك إلى عرض البحر بقيادة الرائد بحرى حسن رجدى طمازيين-رحمه الله- والتوجه لقصف القاعدة البحرية الإسرائيلية فى حيفا فجر يوم 31 أكتوبر 1956، ثم العودة إلى بورسعيد. كانت مهمة «المدمرة إبراهيم» فى هذه الظروف تعتبر مهمة انتحارية، حيث تحركت المدمرة لتنفيذ المهمة، وضرب ميناء حيفا الإسرائيلى دون أى دعم بحرى أو جوى، ولذلك عقد قائد المدمرة اجتماعا مع ضباطه لبحث تنفيذ هذه المهمة القتالية الانتحارية، ولتحديد اتجاه السير وطرق الاقتراب من ميناء حيفا، لتحقيق المفاجأة للعدو، وأخيرا الانسحاب بعد تنفيذ المهمة. وفى الساعة الثالثة والربع من صباح يوم 31 أكتوبر 1956، ظهرت للمدمرة إبراهيم أنوار ميناء حيفا الإسرائيلى، فتم تغيير خط السير والاتجاه رأسا إلى الميناء، وهنا وردت إشارة إلى «المدمرة إبراهيم» من إحدى السفن الحربية تطلب منها تعريف نفسها. عندئذ قامت «المدمرة إبراهيم» على الفور، وبأوامر من القائد، بفتح النيران على الميناء والأهداف الحيوية به، واستمر الضرب لمدة 25 دقيقة، وأشعلت النيران فى صهاريج البترول، وبعد ذلك شرعت «المدمرة إبراهيم» فى الابتعاد بأقصى سرعة عن الساحل الإسرائيلى، وعندئذ بدأت تتساقط حولها مجموعة من قذائف المدفعية الثقيلة، التى اتضح أن مصدرها هو المدمرة الفرنسية «كير سانت»، التى كانت موجودة بالميناء، وتبادلت «المدمرة إبراهيم» النيران مع المدمرة الفرنسية، وفى الساعة الرابعة والأربعين دقيقة طلبت «المدمرة إبراهيم» من قيادة القوات البحرية المصرية التصديق لها بالتوجه إلى ميناء بيروت بعد تنفيذ المهمة، وهو الأقرب لها، مع طلب سرعة إرسال الدعم، لكن قيادة القوات البحرية رفضت الطلب، وأمرتها بالعودة إلى بورسعيد، وأفادت بأن الدعم سيصلها فى الساعة الخامسة والنصف. وفى الساعة السادسة والنصف تعرضت «المدمرة إبراهيم» لغارة بطائرات إسرائيلية، فأصابت ماكينات «المدمرة إبراهيم»، وتوقفت عن الحركة تماما. حاول طاقم المدمرة إبراهيم إغراقها، وفشلت المحاولة فتم التخلص من الوثائق السرية بأوامر من القائد. وفى الساعة السابعة من صباح يوم 31 أكتوبر 1956 ظهرت أربعة لنشات طوربيد إسرائيلية، اقتربت من المدمرة إبراهيم التى استسلمت، وتم سحبها إلى داخل ميناء حيفا، وكانت الخسائر البشرية فى «المدمرة إبراهيم» التى يتكون طاقمها من 150 فردا، عبارة عن استشهاد أربعة أفراد، وجرح سبعة، منهم قائد المدمرة. ظل طاقم «المدمرة إبراهيم» فى الأسر حتى يناير 1957، حيث تم تبادل الأسرى بين مصر وإسرائيل. هذه بعض ذكريات حرب 1956، واحتلال سيناء، ومؤامرة العدوان الثلاثى، وكذلك بطولات القوات المصرية وتضحياتها، حتى لا ينساها التاريخ. واستمر الاحتلال الإسرائيلى لسيناء ثمانية أشهر، وتم انسحابها بعد الإنذار الأمريكى-الروسى لقوات الدول الثلاث.