** تتراوح التقديرات بشأن المبلغ الذى سيهدر فى الإنفاق على فوضى الانتخابات البرلمانية المقبلة ما بين 12 و 20 مليار جنيه، ولا يدخل فى حساب هذا المبلغ كلفة الإجراءات الإدارية والتنظيمية التى ستتحملها الخزينة العامة للدولة على مدى أسابيع طويلة ستستغرقها عمليات الاقتراع لملء مقاعد العضوية فى مجلسين برلمانيين، أحدهما (الشورى) لا قيمة ولا لزوم له أصلا، إذ كان مجرد «مخزن» فخم لحفظ كراكيب النظام السابق. وإذا أضيف ما سوف تتحمله الخزانة العامة إلى ما ستدفعه جيوش المرشحين على حملات الدعاية والفاعليات «الموالدية» والرشاوى الانتخابية وخلافه، فإن تقديرات المبلغ المنتظر إهداره فى هذه الانتخابات ستقفز إلى ما بين 15 و25 مليار جنيه.. ولا عزاء ل«العجلة» أو«البسكلتة» الإنتاجية التى يصدعوننا بها ليل نهار، وكذلك الست «أزمة» اقتصادية التى يروعننا بحضرتها بعدما ألبسوها رداء «أمنا الغولة»، وأطلقوها فى الضلمة علينا وعلى أهالينا من يوم خلع المخلوع أفندى حتى الساعة. ولو أن هذه الأرقام والثروات الفاحشة التى ستتبدد فى الأسابيع المقبلة كانت المقابل الذى لا بد أن ندفعه لإرساء دعائم نظام سياسى ديمقراطى متطور ورشيد، يتمتع بالقدرة على تمثيل الشعب وإشراكه بكل تنوعاته فى بناء مجتمع جديد ووطن متحرر من أغلال القهر والظلم والاستغلال والفساد والتخلف، ولو كانت تلك المليارات التى ستقطع من لحمنا الحى قسطا من أقساط ثمن الحرية والتقدم والنهوض، لهان الأمر علينا كثيرا، وبدا هذا الثمن رخيصا وربما تافها جدا، لكننا جميعا نعرف أن الفوضى غير الخلاقة والعشوائية السياسية والدستورية والتشريعية التى تراكمت آثارها واستفحلت خسائرها وتشوهاتها على مدى الشهور الثمانية الماضية صنعت مناخا خانقا وبيئة انتخابية مسممة بعدد لا يحصى من الملوثات التى لا تبدأ ب«الفلول» المتروكة عمدا، لتعربد وتبلطج براحاتها فى كل مكان، ولا تنتهى بنظام انتخابى «بزراميط»، لا تستطيع الشياطين الزرق شخصيا أن تتعامل معه من دون أن تتلخبط وترتبك، وقد تعلن توبتها واعتزالها ممارسة الشيطنة نهائيا. وفى ظل مناخ من هذا النوع وبيئة على هذه الشاكلة، فإن العملية الانتخابية المقبلة تحتاج إلى معجزة سماوية حقيقية، حتى تفرز شيئا يشبه البرلمانات ولو من بعيد، لا مجرد «طبق كشرى» عظيم الحجم أو «سوق تلات» فخم تختلط تحت نصبته كل أنواع وأصناف «الروبابيكيا» السياسية بل الجنائية أيضا!! ** هل يصدق عقل أن رجلا درس فى كلية الزراعة وتخرج فيها مهندسا زراعيا، وظل يتدرج فى الوظائف والمناصب الزراعية، حتى أصبح وكيلا أول لوزارة الزراعة، ورغم كل هذا المشوار الطويل ما زال يطوى ضلوعه على مشاعر بغض وعداء وكراهية للشجر والخضرة، لدرجة أن يستخدم سلطته كمدير للمتحف الزراعى بالدقى (لاحظ أنه المتحف الزراعى لا متحف الشرطة) فيصدر أمرا بتطهير وتنظيف باحته والمنطقة المحيطة به من أشجار عتيقة (بعضها مثمر)، ظلت نحو قرن من الزمان فى مكانها باسقة بشموخ، ومنتصبة بجمال أنيق، وتلون الأفق بخضرتها الرائعة من دون أن يجرؤ إبليس نفسه على إزالتها أو المساس بها.. هل تصدق؟! للأسف هذا ما حدث قبل أيام، وما زالت بعض آثار مذبحة الشجر البشعة تصفع عيون الرائح والغادى أمام سور المتحف العتيد، وتذكرنا جميعا بحقيقة أننا انتفضنا وثرنا فى وجه أعداء الحياة، غير أن أغلب عشاق القبح وصناع الموت والجفاف والتصحر ما زالوا يعششون فى كل ركن، ويكافحون كفاح الأبطال، لكى يعيدوا رسم ملامح هذا الوطن على شكل «خرابة».. ولا حول ولا قوة إلا بالله.