تذوق شفايف التجربة.. أرشف عصيرها المعتق.. أنفذ إلى تلك المنطقة من النشوة العارمة التى سوف تجعلك تشد وتر قوس حياتك ثم تثبت عليه سهم مغامرتك قبل أن تدعه ينطلق حاملا معه حتة من عمرك وروحك إلى المدى المفتوح.. إلى المجهول الذى لن تسبر غوره سوى برميك لسهم المغامرة المغموس فى إكسير الاحتمالات.. احتمالات الاستمرار على قيد الحياة أو الموت المفاجئ.. احتمالات النجاح أو الفشل.. احتمالات الوصول أو.. التوهان! إن امرأة لم تذق طعم شفتيهالا تستطيع أن تجزم بأنك قد أحببتها.. ومدينة لم تطأها أقدامكلا تستطيع أن تدعى أنك قد زرتها.. وكلمات لم تخطها يداك أو تنقرها أصابعك على الكى بوردلا تستطيع أن تتباهى بأنك قد كتبتها.. وحياة لم تغامر فيها وظللت طوال مشوار عمرك ماشى جنب حيطتها.. تخشى من تجربة أى شيء جديد ومن عمل أى شيء مختلف.. حياة مثل تلك.. لا تستطيع أن تؤكد أو تدعى أو تتباهى أو تجزم بأنك فعلاقد عشتها! يقول «أينشتاين».. «من لم يخطئ لم يجرب شيئا جديدا».. وبنفس المنطق نستطيع أن نكمل الجملة على مثل ذلك النحو.. «ومن لم يجرب شيئا جديدا.. لم يعش».. وشتان الفارق بين تجربة قرأت خطواتها وتفاصيلها فى كتاب العلوم «المتخلف» بتاع الوزارة مصحوبة برسمة «رديئة ورخيصة» وبين تجربة شاهدتها بنفسك فى المعملورأيت خطواتها بأم عينيك.. وشممت رائحة البخار المتصاعد من أنابيب اختبارها بأم مناخيرك.. شتان الفارق بين التجربة الأولى.. (اللى بنقراها من غير ما نجربها بنفسنا).. وبين التجربة الأخرى العملية (التى نشاهدها بأم أعيننا ونشمها بأم مناخيرنا) والمناسبة أكثر لهؤلاء البشر الذين يريدون أن يعيشوا «فعلا».. وليس «اسما» فقط.. هؤلاء الحقيقيين الذين رحلوا بأجسادهم لتبقى أرواحهم ورودا لا تذبل أبدا.. عباقرة الفن والحياة والعلم.. جيفارا.. أينشتاين.. شارلى شابلن.. سيد درويش.. بيتهوفن.. جبران خليل جبران.. كافكا.. بيكاسو.. بودلير.. بوب مارلى.. صلاح جاهين.. أمل دنقل.. هؤلاء وآخرون كثيرون غيرهم.. لا ولم ولن يذبلوا أبدا.. هؤلاء هم الذين نالوا شرف المغامرة والتجربة.. فتحولوا إلى أيقونات وأساطير ورموز لا تموت ! الندم على الفشل فى تجربة خضتها أقل وطأة من الندم على عدم خوض تجربة ما.. أن تقول «أنا غلطت لما عملت كده «أقل إيلاما من أن تظل طوال عمرك تقول «يا ريتنى كنت عملت كده»! جميل أن تجلس بعد قضاء وقت معين من السنين على قيد الحياة.. تدخن سيجارا كوبيا أمام المدفأة.. وتسترجع فى مخيلتك تجاربك المتعددة فى الحياة.. البشر الذين عرفتهم.. النساء اللائى أحببتهن.. الأماكن التى ترددت عليها.. الوظائف التى عملت فيها.. المجالات التى طرقتها.. المغامرات اللى إتجننت وعملتها.. نجاحاتك وفشلك ومشوار حياتك الذى أعطيته أبعادا أخرى بمغامراتك فيه وبمحاولاتك المستمرة لتغييره.. جميل أن تفعل هذاوأنت تعلم أنه كما يقول العم «عبد الرحمن الأبنودي».. «كل اللى عايشين م البشر.. من حقهم يقفوا.. ويكملوا.. يمشوا ويتكعبلوا.. ويتوهوا.. أو يوصلوا» ! أهدى هذه المقاله إلى كل هؤلاء المكتئبين الذين شاركوا فى الثوره.. ثم إذ فجأتن وفى حركه غريبه من حركات دراما التاريخ النص كم إكتشفوا أنه خلاص.. ما نجيلكمش فى حاجه وحشه.. وكل سنه وانتوا طيبين.. أعلم جيدا أن الأوضاع قد تشقلبت تماما.. وأن الشعب الذى كان قبل الثوره يصارع فساد الحزب الوطنى أصبح الآن يصارع فساد حزب الثوره المضاده.. وأن الشعب الذى كان يتوق إلى أن يسمعه مبارك ويفهمه ويعى ما يريده أصبح الآن يتوق إلى أن يسمعه المجلس العسكرى ويفهمه ويعى ما يريده.. وأن الشعب الذى كان يشك قبل الثوره فى حقيقة أن كل هؤلاء الوزراء المبرشطين على كراسيهم يعملون من أجله أصبح الآن يشك فى حقيقة وجود وزراء من أساسه.. أعلم جيدا أن اليأس لم يتسلل إلى نفوسكم بعد وإن كان الإكتئاب قد عملها وتسلل.. ولكن.. أليست لكل تجربه عدة خطوات ينبغى القيام بها من أجل الوصول إلى نتيجه علميه ومعمليه جاده ؟!.. إذن.. لقد أنجزتم على الأقل خطوه هامه من خطوات التجربه.. ألا يستحق هذا منكم أن تتخلصوا من إكتئابكم.. وتكملوا معى كلمات العم الأبنودى.. « واذا مش حتحلم معايا.. مضطر أحلم بنفسى.. لكنى فى الحلم حتى.. عمرى ما حاحلم لنفسى « !