المكان: ساحة محكمة بنغازي التي أصبح إسمها ساحة الشهداء في بنغازي ومنها تحدى بطش كتائب الديكتاتور معمر القذافي في 15 فبراير، والزمان: 23 أكتوبر 2011، سيظلان إلى الأبد محفورين في ذاكرة الليبيين، ففيهما أعلن المجلس الوطني الانتقالي، الذي يمثل السلطة الحاكمة في ليبيا، ما بعد معمر القذافي، تحرير كامل الأراضي الليبية من حكم طاغية جثم على صدر البلد الغني بالبترول لأكثر من 40 عاما. لم يكن في أرض ساحة الشهداء موضع لقدم، فقد غصت بمئات الآلاف بين مدنيين ومقاتلين، احتشدوا في مشهد مهيب منذ ظهيرة أمس رافعين أعلام ليبيا الجديدة الخضراء والسوداء والحمراء فيما بثت مكبرات الصوت كلمات النشيد الوطني، يا بلادي بجهادي وجلادي، ادفعي كيد الأعادي، والعوادي واسلمي اسلمي طول المدى إننا نحن الفداء.. ليبيا ليبيا ليبيا، الاحتفالية التي تمت تخللتها كلمات لقيادات المجلس الوطني الانتقالي، وقادة الجيش الليبي، وفصائل الثوار، إلى جانب عروض رمزية لسرايا الثوار، كانت كلها تعبر عن الوفاء لأرواح شهداء الثورة، وشكر الثوار الذين أسقطوا نظام القذافي الاستبدادي. هذا الاحتفال جاء قاتماً نوعاً ما بسبب الجدل حول ظروف مقتل القذافي الذي أسر حياً قبل أن يقتل، ووصف مراقبون أن سمعة السلطات الليبية الجديدة قد تلطخت بعض الشيء لذلك السبب. ثم ظهر مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي ليعلن رسمياً تحرير كامل الأراضي الليبية، وبدأ خطابه بدعوة جميع الليبيين بعدم استخدام السلاح وإطلاق النار في الهواء باحتفالتهم بقوله: الشكر لله يأتي بالتكبير والسجور لا بإطلاق النار، هو أمر محرم شرعاً وفيه مساس وإضرار بالمدنيين. كفاحنا ضد القذافي بدأ منذ نفذ هو انقلابه عام 1969 الذي سماه ثورة، كذلك أعلن عبد الجليل أن ليبيا جديدة قررت حذف كلمة ثورة الفاتح من قاموسها ومن سجلات التاريخ لديها. ثم ترحم رئيس المجلس الانتقالي بعد ذلك على عبد الفتاح يونس ورفاقه الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء تحرير ليبيا من يد العقيد معمر القذافي، ووجه الشكر لكل من ساندوا الثوار، وخص الأممالمتحدة وحلف الناتو بالشكر على دعمهم الذي وصفه ب الراقي. إسلامية إسلامية، تلك أبرز ما جاء بعد ذلك في خطاب عبد الجليل، والتي بدا فيها أنه يغازل الإسلاميين بأنه لن يسمح بوجود أي قانون يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وأكد أنه سيوقف تلك القوانين فوراً. وضرب مثلاً بقانون الزواج الليبي الذي يفرج على الزوج بضرورة أخذ إذن زوجته إذا ما رغب في الزواج من أخرى، وقال إنه لاغي منذ ذلك اليوم. القوانين المصرفية أكد عبد الجليل أن المجلس سيدرسها جميعاً ويسعى لتعديلها، بحيث يكون هناك مصارف إسلامية في كامل الأراضي الليبية بعيداً عن الربا، الذي وصفه بأنه سبب الشحناء والبغضاء في النفوس بين أفراد الشعب. رئيس المجلس الانتقالي غازل أيضاً المقاتلين وأسر الشهداء بقوله إنه سيمنحهم جملة من المزايا المادية سيعلن عنها قريباً، بالإضافة إلى ترقيات استثنائية للعسكريين ومكافئات للمدنيين الذين شاركوا في القتال ضد العقيد. الصدق والصبر والتسامح.. ثلاث كلمات اختتم بها عبد الجليل خطابه طالب بها الشعب الليبي بالتمسك بها لإنجاح الثورة وصناعة ليبيا المستقبل.