مصطفى النحاس باشا، هو رئيس حزب الوفد بعد سعد زغلول.. وقد اجتمع زعماء الوفد بعد رحيل سعد لاختيار خليفته.. وأجمعوا على اختيار النحاس.. وقد يتبادر إلى الذهن أن النحاس باشا كان أقوى أعضاء الوفد وأكثرهم شعبية لكن الواقع هو العكس.. فقد كان هناك من هو أقوى منه وأكثر حنكة ودراية.. ولكن العجيب أن زعماء الوفد اختاروا النحاس لأن كل واحد منهم كان يتصور أنه سيطر على النحاس ويسيّره كيف شاء.. ولكن النحاس أكد زعامته وجدارته حتى سنواته الأخيرة فى انتخابات 1950، لكن الرجل العجوز الطيب وقع بين براثن زوجته الشابة الجميلة زينب الوكيل، وفؤاد باشا سراج الدين وزير الزراعة ثم وزير الداخلية.. وبدأ الفساد يدب فى الحزب الضخم وبدأت قضايا الاستغلال تطل برأسها.. وساد جو من الفوضى فى مصر وهذا كله انتهى بقيام ثورة يوليو 1952 بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر. ويقولون إن التاريخ لا يعيد نفسه.. وفى رأيى أنه يعيد نفسه أحيانا.. فقد اختار عبد الناصر، أنور السادات خليفة له وقد شاب هذا الاختيار لغط شديد فلم يكن السادات أبرز قادة الثورة، حتى ولاؤه للثورة كان مشكوكا فيه (حادث دخول السينما ليلة الثورة).. لم يكن السادات إذن على رأس قائمة نائب الرئيس.. لكنه أقسم اليمين الدستورية وأصبح نائب الرئيس.. ولم يتحرك أحد من الأقوياء شعراوى جمعة، محمد فوزى، محمد فائق للاعتراض فقد تصوروا جميعا أن السادات سيكون سهل الانقياد فى أيديهم.. لكن السادات أثبت أنه أذكى منهم جميعا وقام بالقبض عليهم ووضعهم فى السجن بواسطة الليثى ناصف قائد الحرس الجمهورى، الذى لقى بعد ذلك مصيرا غامضا وقيل إنه سقط من شرفة أحد المنازل فى لندن.. نفس الشرفة التى قيل إن سعاد حسنى سقطت منها، وهى نفس الشرفة التى قيل إن أشرف مروان لقى مصرعه فيها، وأعتقد أنه من الضرورى إنتاج فيلم بعنوان «شرفة الموت».. أو شىء من هذا القبيل. المهم للمرة الثانية يتكرر مشهد اختيار الرجل الضعيف للخلافة.. ثم يثبت هذا الرجل أنه قادر على الإطاحة بهؤلاء الأقوياء الذين تصوروا أنه سيكون لعبة فى أيديهم.. فقد اختار أنور السادات خليفة له هو الفريق طيار محمد حسنى مبارك.. وكان واضحا منذ اختيار مبارك ليكون نائبا للرئيس أنه عسكرى مطيع.. أكثر من هذا بلا تطلعات.. وتصور السادات ومن حوله أن مبارك وهو نائب للرئيس لا خطر منه على كبار رجال الدولة فى ذلك الوقت.. وقد كان اختيار السادات مبارك تقليدا تاريخيا كاختيار باشاوات الوفد الكبار للنحاس.. وتقليدا تاريخيا كاختيار جمال عبد الناصر السادات لكى يكون نائبا له فاكتسب الشرعية التى أهلته بعد ذلك للانقلاب على الأقوياء. لقد كان عند السادات ضباط أكثر كفاءة واقتدارا وشخصية يمكن أن يختار منهم نائبا له.. كان هناك المشير أبو غزالة مع الشخصية الكاريزمية والمحبوب من الجيش كله.. لكن السادات اختار مبارك الذى لا يكاد يكون معروفا خارج القوات المسلحة.. ولم يختر السادات الفريق محمد على فهمى قائد المدفعية الشهير، الذى ينسب الخبراء إليه الفضل الأول فى انتصار أكتوبر التاريخى.. ففى صباح المعركة انقضت المدفعية على القوات الإسرائيلية فى سيناء فدمرت ما دمرت.. وأصابت الإسرائيليين فى سيناء بالفزع.. لقد كان محمد على فهمى بطلا من طراز نادر.. لكن السادات كان يريد النائب المطيع الذى يقف له «انتباه» ويسمع الكلام.. ووقع اختياره على مبارك الذى أدى الدور باقتدار حتى قضت له الظروف أن يحكم مصر ويرى ويلم المليارات من جنيهات ودولارات تسيل أمامه.. وكانت البداية.. فيما يقال بصفقة التليفونات التى كانت تكلفتها أكثر من أربعة مليارات جنيه.. وسال لعاب الجميع عندما عرض الدكتور إيفانز، وكان مستشار الصفقة أو الوسيط، على المهندس سليمان متولى أن يأخذ نسبة.. أو أن متولى هو الذى طلب وهذا على الأرجح.. نسبة10% من الصفقة أى 400 مليون جنيه بأسعار عشرين عاما مضت عمولة، وقال متولى بوضوح لإيفانز عندما استكثر النسبة «أنا لا أقبض وحدى.. وسليمان متولى حى يرزق ويجب استجوابه عن هذه الصفقة وما بعدها!». لقد وجد حسنى مبارك الذى كان يحارب من أجل ثلاثة جنيهات بدل الانتقال لإحضار أكل الجنود والضباط.. وجد مبارك نفسه يعوم على مليارات الجنيهات يأخذ منها ما يشاء.. ويعطى من يشاء.. وظهرت الذئاب.. وانقضوا على ثروة مصر وباعوا القطاع العام بملاليم. ثروة مصر التى تكونت من عهد محمد على إلى جمال عبد الناصر باعها مجموعة من الحرامية على رأسهم عاطف عبيد.. وما أشد الألم والوجع ونحن نرى بلدنا يباع لكل من هب ودب.. لقد بيعت مصر كلها فى عهد مبارك.. وأعجب بل وأندهش بل وأرتاع عندما أسمع أن هناك مواطنين مصريين يدافعون عن المخلوع الذى قاد أكبر عملية نهب لمصر.. بعد النهب الاستعمارى كما قال أستاذنا محمد حسنين هيكل. خلاصة الدرس التاريخى أن الأقوياء يفضلون أن يرثهم الضعفاء.. وهؤلاء الضعفاء هم الذين أضاعوا مصر. بعيدا عن السياسة! هناك ممثل مصرى عبقرى ظهر متأخرا.. أو جاءته النجومية متأخرا.. وأظنكم جميعا توافقوننى على أنه الممثل خالد صالح لقد لفت نظرى فى جميع الأدوار التى قام بها.. وهناك مشهدان قصيران لا يستطيع ممثل آخر أن يقوم فيهما بالدور الذى قام به خالد صالح. المشهد الأول فى «محامى خلع» بطولة النجم اللامع هانى رمزى، وهو دور قاضى الخلع.. يا سلام على الأداء الكوميدى مرتفع المستوى إلى حد العبقرية.. والدور الثانى فيلم «عمارة يعقوبيان» فى دور كمال الشاذلى.. لقد نسيت كمال الشاذلى رحمه الله ولا أرى إلا العبقرى خالد صالح.. يا سلام عليه.