مَن وراء المؤامرة؟ لا نعرف عن أى مؤامرة يتحدث رئيس الحكومة ولا من يرأسه. المؤامرة الوحيدة التى نراها هى من إدارة المرحلة الانتقالية التى لا تكتفى بالعجز، ولكنها تتوهم قوة لا تملك أدواتها.. وتحاول أن تسيطر على وضع لا سيطرة عليه.. فتقود البلد كله إلى كارثة. قبل كل شىء.. نحن فى مرحلة مختلفة تماما.. مرحلة خارج السيطرة من الجميع.. هذه لحظة فارقة تكون مصر أو لا تكون. نريد توقيف الخطاب الساذج الذى استعاره المجلس وحكومته من مبارك ونظامه الفاشل. الخطاب الذى يتحدث عن أصابع خارجية خطاب يثير الضحك والرِّثاء، ورغم ذلك ما زال النظام الانتقالى يستخدمه ليبرر الارتباك والعجز وعدم وضوح الرؤية السياسية. المجلس يسير على درب مبارك ويسارع بإلقاء اللوم على الشعب، بينما كل من له عين ترى سيعرف أن الفتيل اشتعل، لأن المجلس بطىء لا يمتلك رؤية سياسية، ويتعامل بمنطق السلحفاة العجوز الواثقة من قوتها بلا داع! والحكومة ساذجة ومرتعشة ومخطوفة، تردد خطابا لا يمكن التعامل معه بجدية، لأنه ليس إلا «هرتلة» مَنْ أصابته الأحداث بالهستيريا. من يدير البلد -إذن- فى الأزمة؟ لماذا وقعت مصر فى ساعات فى يد مجهول يبدو -أحيانا- أهبل، وأحيانا أخرى مريبا وغامضا، ودائما مجرما....؟ الواضح كل الوضوح أن هناك مشعلى حرائق. أولهم صاحب قرار استخدام العنف مع المتظاهرين، لأنه لا بد من اتفاق نهائى وواضح بأن التظاهر السلمى حق مشروع، وحماية المتظاهرين حق مشروع. هناك -أيضا- وزير الإعلام وجيش التضليل الذى بدلا من أن يطهّر مؤسسة الإعلام منه تفرغ لمهمة مفتش التراخيص وتجييش الإعلام للدفاع عن الجنرالات الذين أتوا به إلى موقعه ترك الجراثيم والبكتيريا القاتلة تسرح فى المبنى حتى أشعلت البلد بتحريض مباشر وسافر وسافل. لن نقبل هذه المرة عادة الأنظمة المستبدة فى إلقاء اللوم على الشعب، فلا بد من تحقيقات ومحاسبة لمعرفة مَن دهس المتظاهرين بالمدرعات؟ من أعطى الأوامر بضرب الرصاص الحى؟ وكيف تنزلون قوات أمن فى الشوارع دون توجيهات معنوية بكيفية التعامل مع المواطنين؟ هل هناك عنصرية بين قوات الأمن؟ أعتقد أن الموضوع أكبر من العنصرية.. لكنه غياب أى رؤية سياسية، يمكنها أن توجه الضابط أو الجندى فى الشارع إلى أنه يحمى المجتمع، لا قادته، وأنه ليس فى مهمة دفاع عن البلد من المتظاهرين، ولكن فى مهمة يشارك فيها المجتمع فى صناعة مستقبل بلا استبداد. من قال للجندى الذى يقود المدرعة إن المتظاهر عدوه؟ من قال للمذيع إنه حامل رسالة الحاكم وضد المواطنين على طول الخط؟ لا مكان بعد اليوم للخطابات الغرامية عن محبة المسلمين والمسيحيين، فلا بد من إعلان إرادة واضحة على أننا نريد مصر بلدا للجميع، لم يعد هناك مجال للتهريج الرخيص الذى يروج حكايات خرافية عن أقباط يمزقون المصاحف. نريد دولة مساواة وعدل وهيبة قانون. نريد دولة لا يتحول إعلامها إلى كلاب تضليل مع الاعتذار للكلاب. المسؤولية الأولى والكبرى مسؤولية المجلس العسكرى الذى مهمته حماية البلاد بمتظاهريها ومواطنيها العُزّل بأيديهم العارية وأحلامهم البسيطة فى دولة عدل، لا يشعرون فيها أنهم ضيوف، غير مرغوب فيهم أو غرباء فى دولة الظلم.الأحلام تحولت إلى ترانيم جنائزية. والاحتفالات بإزاحة الديكتاتور تحولت إلى جنازات ضحايا. ولن نسكت على الجريمة. وسنطارد كل الشركاء فيها. إنها لحظة فارقة.. إذا أردنا الحياة فى بلد يحترم الجميع.. بلد لا يدخل فى دوامات حرب أهلية ويهبط البلطجية على شوارعه يخيفون الناس على الهوية. البلطجية وحدهم سينتصرون إذا استسلم كل منا فى دائرته الصغيرة، وخاف على تميزاته وحافظ على أنانيته وبحث عن العدو فى بيت جاره وتصور أنه فى حرب دفاع عن الدين. وأخيرا أريد أن أقول: الدين ليس فى خطر لتحاربوا من أجله.. حاربوا المستبد من أجل حياة محترمة للجميع.