وهكذا.. انغمسنا فى محاولات إصلاح بلدنا.. ونسينا الأهم، الذى من دونه لن يرى البلد أى إصلاح حقيقى.. ألا وهو إصلاح أنفسنا.. إذ كيف يمكن للكل أن يصبح سليما معافى إذا كانت الأجزاء التى يتكون منها هذا الكل غير سليمة؟! إن أى مجتمع إنسانى يتكون من أفراد يشكلونه.. ينبغى على هؤلاء الأفراد أن يعرفوا أنفسهم جيدا.. حتى يستطيعوا معرفة أى شىء آخر بعد ذلك.. فدون معرفتك لنفسك سوف تنعكس الأحداث من حولك على عقلك ليفسرها بشكل خاطئ.. فالحياة هى ما تشعر بحدوثه من حولك ويقوم بالتأثير عليك من خلال حواسك الخمس.. ودون هذا التأثير لن تشعر بالحياة.. وإذا لم يكن عقلك جاهزا لاستقبال تلك المؤثرات وتحليلها وفهمها بشكل صحيح.. فسوف تكون أشبه بجهاز دش مش مظبوط صح.. وهو ما يسفر عن جعل الصورة الواصلة إلى جهاز تليفزيونك العصبى مشوشة ومتقطعة وغير واضحة.. إذن.. عقلك جهاز استقبال وإرسال فى نفس الوقت.. يستقبل موجات الطاقة المختلفة من حوله قبل أن يعيد إرسالها مرة أخرى إلى العالم الخارجى على هيئة أفعال وأقوال وتصرفات.. وبناء عليه لا ينبغى أن نتحدث عن تلك الأفعال والأقوال والتصرفات دون أن نتحدث عن ماكينة العقل التى تقوم بتحويل قطن الأفعال إلى قماش ردود الأفعال.. وبناء عليه.. لا ينبغى أن نتحدث عن إصلاح البلد دون التحدث عن إصلاح المجتمع الذى يعيش فى ذلك البلد.. كما أنه أيضا لا ينبغى أن نتحدث عن إصلاح المجتمع دون التحدث عن إصلاح الأفراد التى يتشكل ويتكون منها هذا المجتمع.. تلك هى مشكلتنا الآن.. أننا واخدينها بالعكس.. ظنا منا أن البلد عندما يصبح زى الفل سوف نصبح نحن أيضا زى الفل.. وعندما تنصلح حاله وعقله سوف ننصلح نحن.. بينما الحقيقة هى أننا عندما نصبح نحن زى الفل سوف يصبح البلد أيضا زى الفل.. وعندما تنصلح أحوالنا وعقولنا نحن سوف تنصلح أحوال البلد.. مش العكس! لهذا.. احرصوا على بناء العقل.. فهو القادر على بناء البلد.. إذ كيف نبنى العمارة دون الحصول على الطوب السليم الذى سوف تتكون منه هذه العمارة؟! احرصوا على التخلص من تناقضاتكم.. ففيها تكمن المشكلة.. لا تتظاهروا بالإيمان ثم تسبون الدين لبعض فى أول خناقة ولأبسط سبب.. لا تنادوا بالديمقراطية ثم تقفشون على من يختلف معكم فى الرأى.. لا ترتدى الحجاب لأن كل بنات الشارع تحجبن ما عدا أنتِ ولكن ارتديه عندما تمتلكين الرغبة الحقيقية فى ارتدائه عن كامل اقتناع وبالشكل الصحيح.. حتى لا يتحول البلد إلى تلك الاستامبة من البنات المرتديات زيا عجائبيا موحدا.. نفس البنطلون الجينز المحزق ثم نفس البادى الأكثر تحزيقا ثم من فوقهما نفس الإيشارب! لا تتعاملوا مع الثورة بمنطق مباشر حتى لا تصبح أشبه بقصيدة مباشرة وسطحية وركيكة وضعيفة من قطعية أغنية.. «شهداء 25 يناير.. ماتوا فى أحداث يناير».. ولكن تعاملوا معها بشكل غير مباشر مصداقا لقول العم نجيب سرور.. «الشعر مش بس شعر.. لو كان مقفى وفصيح.. الشعر لو هز قلبك وقلبى.. يبقى شعر بصحيح».. بمعنى أنه ليس شرطا أن نصبح جميعا سياسيين بشكل مباشر لكى تنجح الثورة.. ولكن ينبغى أن نصبح جميعا حقيقيين وصادقين مع أنفسنا ومخلصين لما نفعله لكى تنجح الثورة.. بتحب العلوم؟ ركز فى المعمل بتاعك وفى تجاربك.. بتحب الفن؟ ركز فى كتابتك أو فى موسيقاك أو فى فيلمك.. بتحب الإعلام؟ ركز فى عمل برنامج غير مسبوق تستطيع من خلاله تفتيح عقول الناس بجد.. مش تقفيلها.. بتحب السياسة؟ ركز فى الطريقة التى تصل بها لرئاسة الجمهورية وش.. ولا تضع سقفا لطموحك.. لأنه أصلا مافيش أى سقف لأى حاجة.. والكون مفتوح قدامنا كلنا.. الثورة هى البرنامج الجديد الذى قمنا بتحميله على لاب توب البلد.. أما بقى ما الذى سوف نفعله بذلك البرنامج الجديد الذى قمنا بتحميله؟ فذلك هو السؤال وتلك هى المسألة.. أن تكون الثورة مجرد أيقونة على الديسك توب تدلنا على تزويد جهازنا بهذا البرنامج وخلاص.. أو تكون استخداما فعليا لذلك البرنامج.. استخدام فعلى ومفيد يقتضى منا أن نعلم جيدا أننا مجرد «أجزاء».. ينبغى أن تكون سليمة حتى يصبح «الكل» الذى تتشكل منه هذه الأجزاء سليما!