رغم عظيم احترامى للكثيرين ممن شاركوا يوم الأربعاء الماضى فى ما يشبه «وقفة احتجاجية» عشوائية أمام منصة القضاة الذين ينظرون قضية حسنى مبارك وأركان عصابته.. وأقصد أعضاء هيئة الدفاع عن أهالى شهداء الثورة الأبرار ومصابيها الأبطال. ومع اقتناعى العميق بصدق نياتهم وإخلاصهم ونبل مقصدهم، فإن الحقيقة المرة التى لا سبيل لإنكارها أن هذا الحشد الذى كان يمثل ضحايا الرئيس المخلوع ونظامه الإجرامى بدا جزءا مظلما فى لوحة ذلك المشهد التاريخى النادر والمضىء. هذا الكلام ليس طعنا فى مهنية أحد ممن تجشموا مشكورين عناء التطوع للدفاع عن أسر الضحايا، وإنما اعتراف بثغرة خطيرة نجمت عن الطريقة الاعتباطية والخلط المعيب بين دور الناشط السياسى والمؤهلات والشروط المهنية اللازمة لأداء مهمة التمثيل القانونى، ليس للشهداء والثوار فحسب، وإنما للشعب المصرى كله. لقد جاء هذا المنظر المرتبك وغير اللائق «لم يخل من كوميديا فاقعة» لكتلة محامى المدعين بالحق المدنى ليكشف عن خلل جسيم ومأساة أبعد عمقا من مجرد الفشل فى تشكيل هيئة دفاع قوية ورصينة تصلح أن تكون واجهة لشعب مصر أساسا قبل أن تمثل أسر الشهداء والضحايا. فما جرى وشهدناه وشهده العالم معنا للأسف هو إفراز طبيعى وواحد من تجليات الخراب الشامل الذى ضرب مجتمع ودولة المصريين فى عصر مبارك على كل الأصعدة، من السياسة والاقتصاد مرورا بالتعليم والتدريب، ووصولا إلى منظومة القيم والأخلاق السائدة. هل أبدو وقد بالغت وكبرت الموضوع كثيرا؟ لا والله، هو موضوع كبير بالفعل وحتى تتأكد تأمل معى الملاحظتين الآتيتين: أولا: الفرق الهائل بين فخامة وكفاءة المحامين عن الباطل وتواضع وغلب المتطوعين لتمثيل أصحاب الحق، وهو أمر تستغنى دلالاته الاجتماعية عن أى شرح. ثانيا: الغياب التام للمحامين الكبار المحسوبين على الصف الوطنى وإحجامهم وتقاعسهم عن واجب الانضمام إلى هيئة الدفاع عن الشهداء والمصابين وعن شعب مصر وثورته، بل إن بعض هؤلاء طيَّر المال الوفير عقله وبدد مبادئه التى لطالما صدع رؤوسنا بالكلام فيها وعنها، ومن ثم رأيناه منضما للرهط الفخيم المدافع عن مبارك وعصابته. لقد أشرت حالا إلى كوميديا سوداء لم يخل منها منظر المدافعين عنا وعن شهدائنا «ذلك المحامى الذى حاول إقناع المحكمة أنه مات منذ سبع سنوات». ولكى أخفف عنك أيها القارئ الكريم دعنى أختم بحكاية طريفة بطلها محام انضم، بالعافية ومن دون استعداد، لفريق الدفاع عن المعتقلين فى انتفاضة يناير 1977 «كان العبد لله واحدا منهم»، ففى إحدى جلسات المحاكمة كانت معى فى هذه الجلسة زميلة طالبة «فبركت» لها المباحث ثلاث تهم ثقيلة، أولاها المشاركة فى حرق ونهب مجمع استهلاكى فى السيدة زينب (الزميلة تسكن فى الهرم) والثانية حيازة وتوزيع منشورات، والثالثة الانضمام لتنظيم سرى يسعى لقلب نظام الحكم بالقوة. ولسوء حظ هذه الزميلة اختارها صاحبنا المحامى المذكور أعلاه ليدافع عنها، فإذا به يستهل مرافعته بمطولة غزل صريح فى حسن وجمال الزميلة، مما يؤكد أنه لم يرها أبدا، ثم بعد ذلك راح يفند التهم الثلاث المنسوبة إليها وبدأ بحكاية حرق ونهب المجمع الاستهلاكى فقال ما معناه، إنها فتاة صغيرة (وجميلة) تعانى هى وأهلها، كما أغلبية الشعب، من الحرمان وشظف العيش لذلك عندما واتتها الفرصة ورأت الناس يهاجمون مجمعا استهلاكيا شاركتهم فى العملية لتحصل على نصيبها من الثروة القومية!! وبالطريقة نفسها تناول المحامى النابه التهمة الثانية معترفا نيابة عن زميلتنا بأنها وزعت فعلا منشورات بسبب أن المصريين جميعا محرومون من حرية الصحافة وحق التعبير الحر عن الرأى!! وعندما وصل بالسلامة إلى التهمة الثالثة، حاول تبريرها بغياب الديمقراطية وعدم وجود قوانين تسمح بتأسيس أحزاب علنية شرعية.. وهنا رفع عقيرته متسائلا: فى ظل هذا الوضع، يا حضرات المستشارين، ماذا تفعل هذه الفتاة وهؤلاء الشباب؟ لم ننتظره ليجاوب، وإنما جاوبنا نحن والزميلة هاتفين من داخل القفص: نعمل تنظيم سرى طبعا..!!