يمثل كتاب دعاة السوبر ماركت واحدًا من الكتب الوجيزة والمكثفة والمهمة فى آن، ويُعد استكمالًا لكتاب الدعاة الجدد الذى أسهم به مؤلفه الأستاذ وائل لطفى، فى متابعة جادة لواحدة من ظواهر الإسلام السياسى والتدين منذ عقد التسعينيات من القرن الماضى، والتى كانت تعبيرًا عن بعض التغيرات فى أنماط التدين الإسلامى والمسيحى -أيضًا- فى المجتمع المصرى، وتحديدًا فى إطار الفئات الوسطى - الوسطى المدينية المريفة، التى انتشر خطاب الدعاة الجدد فى وسطها. يمثل كتاب دعاة السوبر ماركت واحدًا من الكتب الوجيزة والمكثفة والمهمة فى آن، ويُعد استكمالًا لكتاب الدعاة الجدد الذى أسهم به مؤلفه الأستاذ وائل لطفى، فى متابعة جادة لواحدة من ظواهر الإسلام السياسى والتدين منذ عقد التسعينيات من القرن الماضى، والتى كانت تعبيرًا عن بعض التغيرات فى أنماط التدين الإسلامى والمسيحى -أيضًا- فى المجتمع المصرى، وتحديدًا فى إطار الفئات الوسطى - الوسطى المدينية المريفة، التى انتشر خطاب الدعاة الجدد فى وسطها. كما انتشر خطاب السلفيين وسط الفئات الوسطى الريفية، والتغيرات التى حدثت فى توجهات التدين داخل هذه الفئات. ومن الشيق ملاحظة أن خطاب دعاة السوق أو الأحرى دعاة المول أو من يسميهم وائل لطفى دعاة السوبر ماركت -على استحياء فى أوائل بدء الظاهرة فى عقد الثمانينيات- هو خطاب شبابى موجه إلى متلقين والأحرى مستهلكين كما انتشر خطاب السلفيين وسط الفئات الوسطى الريفية، والتغيرات التى حدثت فى توجهات التدين داخل هذه الفئات. ومن الشيق ملاحظة أن خطاب دعاة السوق أو الأحرى دعاة المول أو من يسميهم وائل لطفى دعاة السوبر ماركت -على استحياء فى أوائل بدء الظاهرة فى عقد الثمانينيات- هو خطاب شبابى موجه إلى متلقين والأحرى مستهلكين للخطاب شباب شكلوا نسبة كبيرة من التركيبة السكانية المتفجرة فى المجتمع المصرى 30% فى نظر بعض علماء الاجتماع، أى للقوة الجيلية الحيوية الصاعدة، ومن هنا أحد مصادر قوة هذا الخطاب وأحد أسباب تمدده. ارتبط تمدد هذا الخطاب بنمط من الدعوة الدينية لا يمت بصلة للنمط التقليدى والتاريخى للوعظ والإرشاد والدعوة الإسلامية الذى يركز على الذنوب والآثام والأخطاء، والتكفير عنها وأساليبه، أو الوعود الأخروية فى الثواب والعقاب، أو الخطاب الدينى السياسى والراديكالى والهوياتى، وتركيزه على الأمة والدولة الثنائيات الضدية حول الكفر والإيمان والمنزلة بين المنزلتين والمجتمع المؤمن والمجتمع الجاهلى إلى آخر هذا النمط من الثنائيات. الخطاب الدعوى الجديد، خطاب المول، أو خطاب السوق يستمد مرجعيته دون فلسفته وأساليب تأثيره من أنماط الوعظ البروتستانتى والكريزماتى، التى لا تقيم تمايزات وفواصل شكلية أو فى نظام الزى أو اللغة بين رجل الدين، والداعية، وبين المتلقى، أو مستهلك الخطاب الدينى، ولا يركز الخطاب على المضامين الدينية المحضة، أو الإكثار من المفردات والمصطلحات اللاهوتية أو الدينية، وإنما على اللغة العادية واليومية التى تحقق التواصل بين المرسل والمتلقى بين منتج الخطاب ومستهلكه، وذلك فى تواشج مع بعض اللغة الدينية المستمدة من النصوص المقدسة أو اللاهوتية، والتركيز على قضايا إنسانية وفردانية أو شخصية تركز على الحوافز الشخصية/الفردية، والحراك الاجتماعى الفردى، وعلى عمل الخير الذى يذهب بالذنوب ويتجاوزها... إلخ. هذا النمط من الخطاب البروتستانتى والكريزماتى الذى انتشر فى أواخر عقد السبعينيات وأوائل عقد الثمانينيات وطيلة التسعينيات فى مصر، وفى القاهرة على وجه التحديد، وجد أذانًا مصغية فى الوسط المسيحى المصرى، وأخذ فى الزيوع والتمدد لدى بعض أبناء الفئات الوسطى الأقباط الارثوذكس والبروتستانت من خلال بعض الوعاظ البارزين فى كنيسة قصر الدوبارة بجاردن سيتى بالقاهرة، ممن أثروا فى عديد من شباب الأقباط الارثوذكس من الفئات الوسطى. لا شك أن هذا النمط من الوعظ تعلم عليه بعض الدعاة الجدد من المسلمين، الذين واكبوا عمليات التحول الاقتصادى والاجتماعى التى تمت فى عهد مبارك، فى ظل التحول من عالم القطاع العام الصناعى والتجارى إلى عالم رجال الأعمال وكبار التجار واقتصاد السوق ونشأة ظاهرة جديدة تجاور ظاهرة الإسلام السياسى المقاتل أو الإسلام الراديكالى، والإسلام السلفى، هى ما أطلق عليه صديقنا الباحث السويسرى پاتريك هانى "إسلام السوق" ويقصد بهذا المصطلح "مزيجًا من النزعة الفردانية المتُعولمة، ونزعا للقداسة عن الالتزام التنظيمى، بما يتضمنه ذلك من التخلِّى عن الشعارات الكبرى التى تتمحور حول شعار "الإسلام هو الحل"، وإعادة النظر فى فكرة شمولية الإسلام لكل مناحى الحياة، والتدين الورع الذى لا يُوالي مسألة الدولة والثقافة المرتبطة بالطبقة الاجتماعية اهتمامه ويرى پاتريك أن "إسلام السوق يتدعم عالميا وينافس النموذج الإسلامى الذى يربط بين الهُويَّة والسياسة والدين. ومن ثم يذهب إلى أنه "ليس رافعة للتعبئة الهُوياتية بقدر ما هو حافز للانفتاح على العالم". وهو يشارك بذلك فى اللحظة النيوليبرالية التى تعكس التخلى عن البنى السياسية الكبرى سواء كانت دولا ما بعد كولونيالية، أو حركات اجتماعية شمولية الطابع. ومن ثم يرى هاينى أن "إسلام السوق" ليس حركة مؤسسة على حزب أو تنظيم، ولا تيارا أيديولوجيا كالسلفية، أو سياسيا كالإسلام السياسى. ولا يمثل مدرسة فى الفكر الدينى. (انظر پاتريك هاينى: إسلام السوق، ترجمة عرمرية سلطانى، ص25 الناشر مدارات للأبحاث والنشر القاهرة 2015.). مصطلح إسلام السوق وفق پاتريك هاينى "مصطلح تحليلى يستند أساسًا إلى فكرة الربط بين أنماط معينة من التدين الإسلامى والأسس الفلسفية للسوق مثل النزعة الفردانية، والانفتاح، وأولوية الشأن الخاص على العام المرتبط بالدولة، والشبكة، والعولمة، ونزعة استهلاك، والتخلى عن السرديات الأيديولوجية الكبرى.. إلخ. أى عن أنماط من التدين جديدة، وليس عن الدين (انظر المرجع السابق ص26). من هنا نجد الارتباط السياقى، بين ظهور هذا النمط من الدعاة وخطاباتهم، وبين ظهور رجال الأعمال، وتراجع النزعة نحو التصنيع فى المجتمع والاقتصاد المصرى، وتراكم الثروات، وتمدد أشكال الفساد، وصعود اجتماعى لبعض الفئات عبر آليات الفساد، مع انتشار أشكال التدين الطقسى والشكلى ورغبة بعض شرائح من الفئات الوسطى – الوسطى، والوسطى العليا، فى أن تحيا حياتها، وترغب فى إحداث توازنات نفسية داخلية، من خلال خطاب دينى مختلف، لا يركز على الآثام والأخطاء والذنوب، وإنما يركز على الدعوة إلى العمل والنجاح ومراكمة الثروة وعمل الخير والحسنات اللاتى يذهبن السيئات، وهو ما استطاع نمط الوعظ البروستانتى الكريزماتى ذو القناع المتأسلم أن يؤديه بنجاح حتى 25 يناير 2011، وبروز بعض أوجه الارتباط بين بعض مشاهير الدعاة الجدد، أو دعاة السوق، وبين جماعة الإخوان المسلمين. لا شك أن بعض أداء دعاة السوق، أسهم فى دعم أرضيات تمدد جماعة الإخوان، لأن نمط خطابهم لا يتناقض فى بعض وجوهه الناعمة مع النمط الدعوى للإخوان فى بعض مستوياته الأولية التمهيدية نحو الإخوانية السياسية. إن الطابع البروتستانتى الكاريزماتى فى وعظ دعاة المول أو السوق لا يعنى قط أنهم جاؤوا من الأسس الفلسفية والمرجعية البروتستانتية اللوثرية والكاليفينية وما بعدهما، وإنما أخذوا أساليب الوعظ وأشكاله، وارتباطاته بالتطور التقنى فى مجال الاتصال من خلال اعتمادهم على الاتصال المباشر، والقنوات التلفازية الفضائية، وعلى وسائل الاتصال الاجتماعى على الإنترنت الفيسبوك، والماسنجر، وتويتر.. إلخ. لا شك أن التطور التقنى فى مجال الاتصالات أثر كثيرًا على نمط الوعظ والدعوة الدينية لدى الأزهريين وغيرهم من الدعاة والوعاظ بدءًا من ثورة الكاسيت وظاهرة الشيخ عبد الحميد كشك فى عقد السبعينيات، ثم ظاهرة الدعاة الجدد التى خصص لها وائل لطفى كتابه المتميز السابق، وإلى استمرار الظاهرة مع دعاة المول أو السوبر ماركت كما سماها الكاتب. (للحديث بقية)