كاتبة، ناقدة وباحثة سينمائية . شاركت في تأسيس صحيفة الأسبوع المصرية وكتبت في مجالات عدة بها وشغلت منصب رئيس قسم الفن ونائب رئيس التحرير. بينما كنت أتابع سيري في شوارع وسط البلد؛ متجهة إلى نقابة السينمائيين، بدا الجالسون في المقاهى كما لو كانوا يمكثون على طاولاتهم منذ ألف عام، إذ توحدت أجسادهم مع مقاعدهم لا ترغب في التحرر منها أو حتى تطمح في الخروج من المكان. أستفيق من شرودي حين يستوقفني رجل غريب أمام مطعم ومقهى إكسلسيور عند تقاطع شارعي عدلي مع طلعت حرب، ويسألني كيف يصل إلى مبنى المعبد اليهودي، أمشي لا أردّ. يصرخ الرجل: إيه مش سامعة؟! لا أرد مرة أخرى وأبتعد عنه بأسرع مما أتصور، فعلتُ حسناً بعدم الردّ على سؤاله، إذ كان يمكن أن تندلع كارثة، اختبرت من قبل الانفجارات الشعورية وأدركت نتائجها. بينما كنت أتابع سيري في شوارع وسط البلد؛ متجهة إلى نقابة السينمائيين، بدا الجالسون في المقاهى كما لو كانوا يمكثون على طاولاتهم منذ ألف عام، إذ توحدت أجسادهم مع مقاعدهم لا ترغب في التحرر منها أو حتى تطمح في الخروج من المكان. أستفيق من شرودي حين يستوقفني رجل غريب أمام مطعم ومقهى إكسلسيور عند تقاطع شارعي عدلي مع طلعت حرب، ويسألني كيف يصل إلى مبنى المعبد اليهودي، أمشي لا أردّ. يصرخ الرجل: إيه مش سامعة؟! لا أرد مرة أخرى وأبتعد عنه بأسرع مما أتصور، فعلتُ حسناً بعدم الردّ على سؤاله، إذ كان يمكن أن تندلع كارثة، اختبرت من قبل الانفجارات الشعورية وأدركت نتائجها. أدلف بسرعة قياسية نسبياً إلى ممر كوداك، الواصل بين شارعي عدلي وعبد الخالق ثروت، ثم أدخل إلى العمارة رقم 20، حيث نقابة المهن السينمائية، كأن الصدفة أرادت أن تكافئني على موهبتي الحديثة في كظم الغيظ والتجاهل، فرتبت لي هذا اللقاء الجميل في مكتب المخرج مسعد فودة نقيب السينمائيين ورئيس اتحاد الفنانين العرب؛ أدلف بسرعة قياسية نسبياً إلى ممر كوداك، الواصل بين شارعي عدلي وعبد الخالق ثروت، ثم أدخل إلى العمارة رقم 20، حيث نقابة المهن السينمائية، كأن الصدفة أرادت أن تكافئني على موهبتي الحديثة في كظم الغيظ والتجاهل، فرتبت لي هذا اللقاء الجميل في مكتب المخرج مسعد فودة نقيب السينمائيين ورئيس اتحاد الفنانين العرب؛ مع المخرج عبادي محجوب، الأمين العام لاتحاد السينمائيين السودانيين، وبصحبته المخرج والممثل السوداني المقيم في مصر طارق خندقاوي. اللقاء الذي أعادني إلى السودان منذ أكثر من عشر سنوات، طبعاً كان هذا قبل العام 2011 عندما كان السودان بلداً واحداً شمالاً وجنوباً، حين تعرفت على المخرج عبادي محجوب لأول مرة ضمن فريق المسلسل السوداني "أمير الشرق عثمان دقنة" (2007)، حيث عملت مستشاراً صحفياً في المسلسل بترشيح من الصديق خالد العديسي، الكاتب الصحفي بجريدة الأسبوع، والباحث في الشأن السوداني. شارك عبادي محجوب الدارس للسينما في المعهد العالي للسينما بمصر، دفعة 1984، في هذا المسلسل الذي امتزجت به الدراما المصرية والسودانية معاً من خلال التعاون المشترك، فقد أنتجته الفداء للإنتاج الإعلامي "السودانية"، فيما كتبه من الجانب المصري محمد خليل الزهار وأخرجه توفيق حمزة بمعاونة عبادي محجوب من الجانب السوداني، وقام ببطولته من مصر: جمال عبد الناصر، سامح الصريطي، مي عبد النبي، سميرة عبد العزيز، محمد السبع، جمال إسماعيل، فتوح أحمد، محمود مسعود، وفاء الحكيم، ميار الببلاوي، ومن السودان: عز الدين العمدة، سنية المغربي، صديق نور الدائم، الطيب جيب الله، محمد عثمان حاج علي، غدير الميرغني، محمد أحمد إدريس، دفع الله حامد، عبد العظيم حمدنا الله، عطا شمس الدين، هدى مأمون، و.. غيرهم كثيرون، بالإضافة إلى العديد من الفنيين السودانيين، إذ تدور أحداثه حول قصة حياة البطل السوداني عثمان دقنة الذي شارك في نضال الشعب السوداني ضد الاستعمار الإنجليزي. كان عثمان دِقْنَة (1836- 1927)، أحد أمراء وقادة الثورة المهدية في السودان وأكثرهم شهرة ودراية بخطط الحرب واستراتيجياتها، خاض العديد من المعارك التي مهدت الطريق لفتح المهدي للخرطوم، حتى كتب عنه البريطانيون الكثير من الكتب التي أشادت بمهاراته. زيارة استثنائية حفلت بالكثير من الدهشة، السعادة، الموسيقى، الثقافة، كل شيء اصطفى البساطة والجمال والإنسانية، التزمنا جميعاً بتفاصيل العمل في المسلسل التاريخي، لكن الأمر بالنسبة لي لم يقتصر فقط على التصوير ومتابعة كتابة الأخبار عما يدور في الكواليس، كفصل إضافي للترويج والتغطية الصحفية، فقد كنت في هذه اللحظة على "أرض السودان.. الحلو والمر"؛ كما عنوان رواية الأديب السوداني أمير تاج السر، الصادرة عن الدار العربية للعلوم- بيروت في نهاية العام 2012، عاطفية بشكل لا إرادي ولدي شوق كبير للاكتشاف، لم أكترث حينذاك بالتاريخ وحكاياته الأسطورية، المتقلبة، كيفما تشكلها الحروف الأبجدية، ولا بالواقع الرخو وعقباته الممتدة حول الأفراد والجماعات، فصوّبت نفسي نحو النهر، البحر، الصحراء، وأهل كل جغرافيا ينفتحون على شعابها وأطلالها ويكبرون بأحلام تعذبهم بقدر ما تُكحل أعينهم وتُكسبهم غموضاً شاعرياً. من الخرطوم العاصمة عند نقطة التقاء النيل الأبيض بالنيل الأزرق، حيث بقينا ليلة واحدة، إلى مواقع التصوير في بورتسودان، شمال شرق السودان على الساحل الغربي للبحر الأحمر، تعرفت هناك على مجموعة من شباب الصحفيين السودانيين، المتحمسين، الحالمين، الغاضبين من الماضي ولا يريدون لحاضرهم وغدهم أن يكونا طريدة هذا الماضي، أعانني هؤلاء على التجول في بورتسودان الإنسانية، بعيداً عن جدران الفندق ال"خمس نجوم" وبلاط الكورنيش اللامع، في السوق الكبيرة وسواكن وأماكن قبائل البجاوية واحتساء القهوة/ الجَبَنَة وسط طاقة إيجابية هائلة تجلبها رائحة البخور وناس طيبون يعيشون تفاصيل الحياة البسيطة ولديهم قدرة عجيبة على العطاء والكرم وحسن الضيافة، مثل نظراء لهم قابلتهم في سوق أم درمان بعد جولة مختلفة في نهار آخر طويل، زاخر بالتفاصيل في شوارع الخرطوم، حيث قلوب أهلها تبدو مفتوحة الأبواب، كرماء يستحقون حياة كريمة أكثر من واقعهم القاسي، اليابس، ومع ذلك فهم أكثر جسارة وعمقاً، كنت ألحظ هذا من نقطة النور المختبئة في بؤبؤ العين والتي دلت عليها ملامح الوجوه الأبنوسية الحميمة. كانت بهجتي في سوق أم درمان كبيرة، فالسوق العريقة خطفتني من يأسي إلى محطات أمل متعددة، فيما تابعت باعة الكتب والمجلات القديمة والحديثة، وهم يفترشون بضاعتهم على الأرض أو يعرضونها في محلات صغيرة مثل كف اليد، لكنها احتوت روائح الورق والحنين والطموح، روائح نفاذة ونافذة إلى القلب كروائح التوابل الحريفة الدالة على المكان في دكاكين العطارة المجاورة، كذلك كروائح سوق الحرفيين ورائحة الدِلكة السودانية التي تُحضرها بعض السيدات في منازلهن، وإحداهن هذه السيدة الرائعة التي ذهبت إلى منزلها البسيط، النظيف بشكل لافت في أزقة أم درمان، والتي تتعامل مع الدِلكة المكونة من الأعشاب والبخور السودانية كمفهوم قومي دال على الهوية، قالت لي بلهجتها السودانية اللطيفة: "ورثتها من أمي وجدتي ولا بد نحافظ عليها"، فتذكرت ما كتبه الطيب صالح في "موسم الهجرة إلى الشمال": "نحن بمقاييس العالم الصناعي الأوروبي، فلاحون فقراء، ولكنني حين أعانق جدي أحس بالغنى، كأنني نغمة من دقات قلب الكون نفسه". إنه، على كل حال، السودان المدهش بثرائه الثقافي والإبداعي، كان المثل القديم يقول: "العالم يكتب والخرطوم تقرأ"، لا أعرف هل لا يزال المواطن السوداني يجد فرصته للقراءة أم لا في ظل معاناته وهمومه، كما همومنا جميعاً في بلادنا، لكني لا أنسى أبداً مشهد هذا الصياد الشاب الذي جلس على رمال البحر في بورتسودان يُطالع كتاباً باللغة الإنجليزية، بينما كان ينتظر صيده، وكنت أنا ألملم حقيبتي في نهاية يوم تصوير في مسلسل "عثمان دقنة"، التجربة الكاملة الطموحة في التعاون المصري السوداني تليفزيونياً، وإن سبقتها تجارب متفرقة في التلاحم الفني المصري/ السوداني، فقد ظهرت أسماء سودانية في تيترات أفلام مصرية مثل الموسيقار برعي محمد دفع الله، وإبراهيم عوض في "إسماعيل ياسين طرزان" (1958) إخراج نيازي مصطفى، الذي برز فيه كذلك خالد العجباني المعروف بأدوار المارد الإفريقي. ومن منتصف القرن الماضي حتى الآن ضمت قائمة الفنانين السودانيين الذين شاركوا في أعمال مصرية أسماء كثيرة، منها النجم الراحل إبراهيم خان، ولد في العام 1936 بمدينة (ود مدني) لأب سوداني وأم مصرية، عمل في بدايته بإذاعة ركن السودان التي تحولت فيما بعد لإذاعة وادي النيل، عاش في مصر ولم يحصل على الجنسية المصرية حتى وفاته، المخرج سعيد حامد صاحب أفلام "صعيدي في الجامعة الأمريكية، همام في أمستردام، شورت وفانلة وكاب، جاءنا البيان التالي، رشة جريئة، الحب في الثلاجة و.. غيرها، إضافة إلى أعماله المسرحية والتليفزيونية، محمد السني دفع الله الذي شارك مؤخراً في أكثر من عمل، مثل "الكنز" مع المخرج شريف عرفة، وسبق أن شارك معه أيضاً في "الإرهاب والكباب"، ومع سعيد حامد في "الحب في الثلاجة" (1992)، هذا غير الحضور الشعبي الكبير للمطربة جواهر، وهو ما لاقته أيضاً خفيفة الظل "ستونة" منذ أن غنت "شيكولاتة" مع محمد هنيدي في "صعيدي في الجامعة الأمريكية"، وقبلهم جميعاً كان هناك الفنان سيد خليفة صاحب الأغنية الشهيرة "المامبو السوداني" في فيلم "تمر حنة" (1957) مع المخرج حسين فوزي، ولنا عن سيد خليفة كلام ثانٍ في مقال آخر.