تطل من السرايّ شرفة عالية ذات نافذتين إحداهما مفتوحة على مصراعيها بعد أن ضرب الهواء خشبها فتركها شبه حُطام والجدران مسكونة بالشروخ والأسقف متآكلة والأسوار تهشم أجزاء منها لا أحد منا ينسى أجمل أغنية للأطفال في مصر خلال القرن الماضي، وهي رائعة مرسي جميل عزيز «سيد الحبايب يا ضنايا أنت» التي غنتها الفنانة الراحلة شادية في أحداث فيلم «المرأة المجهولة»، وظلت الأغنية والفيلم الذي عُرض قبل نهاية عام 1959، عالقين في ذاكرتنا قرابة 6 عقود يرددها الصغار والكبار على حد سواء في أعياد الأم وحفلات الميلاد ودون ميعاد، الكل يدندن بها كما يحفظون أحداث الفيلم وصراعاته جيدًا، لكن مَن يتذكر ذاك القصر أو السرايّ التي جرت فيها أحداث ذلك الفيلم الخالد.. الصدفة وحدها التي كشفت لنا موقعه المطل على النيل في حي المنيل بوسط القاهرة. أعمال فنية خالدة جرت أحداثها داخل القصر المطل على النيل وماتزال عالقة في الأذهان حتى الآن، كان أولها قبل نهاية خمسينيات القرن الماضي حين تم تصوير أحداث فيلم «المرأة المجهولة» إحدى روائع الفنانة الراحلة شادية، ثم مسلسلات «بكيزة وزغلول» وأطفال الملجأ مع الزعيم أعمال فنية خالدة جرت أحداثها داخل القصر المطل على النيل وماتزال عالقة في الأذهان حتى الآن، كان أولها قبل نهاية خمسينيات القرن الماضي حين تم تصوير أحداث فيلم «المرأة المجهولة» إحدى روائع الفنانة الراحلة شادية، ثم مسلسلات «بكيزة وزغلول» وأطفال الملجأ مع الزعيم عادل إمام في «عوالم خفية»، وصولًأ إلى تحوله إلى ملهى ليلي في الفيلم السينمائي «ولاد رزق» وغيرها من الأعمال الدرامية التي عاشت لسنوات طويلة.
القصر المهجور في منطقة هادئة للغاية، وسط بنايات قديمة ذات طابع جمالي أخاذ وشارع داخلي يبعد عدة أمتار عن جزيرة الروضة الفاصلة بين محافظتي القاهرة والجيزة توجد السراي التي تُعرف باسم «قصر أبو رحاب»، فما قصة هذه السرايّ؟ ومن مالكها؟ وهل ضُمت إلى قوائم التراث المعماري؟ وما أبرز الأعمال الفنية التي صورت بها؟ وماذا قدمت الدولة لحفظ ذلك الأثر التاريخي الخالد؟ هنا يسكن التاريخ، وتظهر آثار الحضارة المصرية القديمة، حيث البنايات الهندسية والمزارات التاريخية التي تشهد على روعة وجمال التراث المعماري، قصور مشيدة كانت تملؤها الحيوية والبهجة والأصوات الصاخبة التي كانت تنبعث من الداخل، مضى الزمان وتبدلت الأحوال وتحول الصخب إلى سكون يشبه عتمة الموت والجمال أصابه شرخ الزمان، والتصدعات باتت تهدد الجدران والسرايّ تحولت مع جمالها وروعتها إلى منطقة شبه مهجورة، لدرجة تثير الرعب في نفوس الأهالي والمارّة، قديمًا كان يُعرف باسم قصر «أبو رحاب»، المالك الأصلي له أحمد بك مصطفى أبو رحاب، كان أحد أعيان الصعيد، وهو ابن مصطفى باشا أبو رحاب، وهما دستوريان ورد ذكرهما في كتاب تاريخ الحياة النيابية في مصر قبل ثورة 1952 ينتمون إلى عائلة مصرية عريقة من عائلات أولاد حمزة مركز العسيرات محافظة سوهاج. أثر معماري 4 شارع يوسف شريف، الذي يبعد قرابة 2 كيلو مترات عن شارع الملك عبد العزيز آل سعود المطل على نهر النيل بمنيل الروضة، هنا يقع قصر أبو رحاب التاريخي الذي تم تسجيله ضمن قوائم التراث المعماري، برقم (3250000049). للقصر واجهتان، إحداهما قبلية تطل على شارع عبد العزيز الدريني، والأخرى بحرية تطل على شارع يوسف شريف، وحديقة واسعة تسكن الخضرة أرضيتها المليئة بأشجار المانجو والنخيل، وكثرت الحشائش والأوراق المتناثرة في الأرجاء بصورة شوهت من معالم السرايّ، ورغم جمال المبنى فإن مالكه لا يمتلك ميزانية كافية لإعادة ترميمه واستخدامه مرة أخرى. آيل للسقوط أسلاك شائكة وسور أسمنتي متهالك آيل للسقوط، وسيارات ملاكي متراصة عند المدخل القبلي للقصر الذي يأخذ طابع البيوت العربية القديمة، حتى أغلقت بوابته التي في المنتصف، ولكنها لا تحول دون رؤيته كاملًا بمجرد المرور من الجوار، تبدأ درجات السلالم الرخامية البيضاء حتى مدخل القصر، مصممة على هيئة تعرجات جمالية تأخذ صورة الموجات، وإن تكسرت درجاتها الأولى. شبه حُطام تطل من السرايّ شرفة عالية ذات نافذتين، إحداهما مفتوحة على مصراعيها بعد أن ضرب الهواء خشبها فتركها شبه حُطام كأنه مسكون بالأشباح، والجدران مسكونة بالشروخ والتصدعات والأسقف متآكلة والأسوار تهشمت أجزاء كبيرة منها، والسلالم الداخلية من الرخام الأبيض المتكئ على «ترابزين» حديدي، وبهو يحتوى على عدّة صالات بسقف عال مزخرف برسومات فنية، وأرضيات من الرخام والمرمر الأصلي. على الجهة البحرية للقصر توجد بوابة حديدية عالقة في قفل كبير وكاميرات مثبتة في الأعلى ترقب المارة وتغطي البوابة الرئيسية وبدروم بعرض السرايّ يحوي سراديب طويلة كانت مخصصة لإقامة موائد طعام للفقراء والمحتاجين من قبل الملاك الأصليين قبل أن يتم بيعه من قبل الورثة لأسرة إماراتية ثم بيعه إلى قاضٍ مصري. «كروكي» القصر القصر من تصميم المهندس المعماري المصري محمد شريف نعمان، أستاذ المباني بكلية الهندسة، وبُنيت السراي في عام 1950 من قبل المالك الأصلي "أبو رحاب" بعد أن تم الانتهاء من «الكروكي» النهائي في 29 مايو 1949 حسب التصميمات الهندسية التي نشرتها كاملة شيماء عاشور عبر مدونتها «منسيات». محاولات للهدم المالك الحالي للسرايّ تقدم قبل سنوات بتظلم أمام محكمة القضاء الإداري لرفع العقار التراثي من قوائم الحصر لبيعه أو هدمه وتحويله لأبراج سكنية، ولم يتم الفصل في التظلم حتى الآن، وما زال مصيره معلقًا بين محاولات الهدم والبيع. تواصلنامع مالك القصر المستشار فؤاد الفقي، الذي وضع تسعيرة محددة لبيع القصر تقدر ب 10.5 مليون دولار (ما يعادل 190 مليون جنيه مصري) بشرط أن لا يتم هدمه أو تحويل معالمه، فأوضح أن القضية الآن منظورة أمام القضاء الإداري، قائلًا: «وإيه يعني القصر اتسجل كأثر معماري ما مصر كلها متسجلة في التراث».
خالٍ من العفاريت كل بيت مهجور يعتقد الناس أنه مسكون، لكن القصر خالٍ تماما من الأشباح والبشر.. يقول الفقي الذي أكد أن عددا من الإعلانات والأعمال الدرامية والأفلام السينمائية البارزة في تاريخ الفن تم تصويرها داخل ذلك القصر المبني على طراز معماري قديم أشبه بالقصور الملكية، ويحتوي على سراديب عديدة من الداخل وحوالي 40 غرفة تم زخرفتها بشكل جمالي غطى التراب على كل الجدران. أعمال فنية خالدة جرت أحداثها داخل ذلك القصر المطل على النيل، ولا تزال عالقة في الأذهان بداية من «المرأة المجهولة»، ثم مسلسلات «بكيزة وزغلول» وأطفال الملجأ مع الزعيم عادل إمام في «عوالم خفية»، وصولًا إلى تحوله إلى ملهى ليلي في الفيلم السينمائي «ولاد رزق» وغيرها من الأعمال الدرامية التي عاشت لسنوات طويلة.
الإيجار ب30 ألف جنيه في اليوم وعن تكلفة استئجار القصر توصلت «التحرير» من مصادرها إلى أن الأسعار متفاوتة وغير ثابتة، وترجع بشكل رئيسي إلى المدة المقترحة وعدد الأيام اللازمة للتصوير ويتراوح سعر اليوم ما بين (28 - 30) ألف جنيه، وإن طالت المدة إلى أكثر من ذلك تجري المحاسبة على (22 - 25) ألف جنيه وأثناء التحضير والإعداد يُحاسب بنصف المبلغ السابق، والأسعار غير شاملة الإضاءات والديكور التي يتحملها المنتج كاملة. المفارقة التي ما زال يتذكرها سكان حي الأكابر كانت قبل 4 سنوات حين تم تحويل جزء من الواجهة القبلية للقصر إلى ملهى ليلي يحمل اسم «كباريه ليالي» تعلوه صورة راقصة مع وضع لافتة أخرى جانبية في الناحية الأخرى البحرية بعنوان «قسم شرطة حلوان» في المنيل، وسط تساؤلات عديدة من قبل الأهالي الذين استفزتهم الصورة العامة التي آلت إليها السرايّ التي كانت يومًا ما مملوكة لفقهاء مصر الدستوريين.. كل ذلك كان ديكورًا فنيَا لتصوير أحداث فيلم «ولاد رزق». إقرأ أيضًا : «ناس وتراث»: هدفنا الحفاظ على التراث المصري بعصوره المختلفة قبل أن نغادر القصر الشاهد على تاريخ مصر وروعة التراث المعماري القديم ظلت أبصارنا شاخصة تجاه أبواب ونوافذ السرايّ المصنوعة من الخشب المعشق بالزجاج ومنظر الحديقة الواسعة المهملة والشرفات المفتوحة على مصراعيها كأنها تستغيث بمن يعيد إليها الحياة مجددًا، بعد أن لفظت أنفاسها الأخيرة بسبب الإهمال.