د. مجدي العفيفي طالب الكثير من السادة القراء المتابعين لهذه السلسلة من المقالات عن ظاهرة (الفرعونية والهامانية والقارونية) باعتبارها لا تزال مستمرة بكل تداعياتها، بأن نؤصل لها تأصيلا فكريا من خلال المصدر الأعظم الذي طرحها وكشفها وحذر منها، وهو القرآن الكريم، عبر التجليات الإلهية في القصة القرآنية.. طالب الكثير من السادة القراء المتابعين لهذه السلسلة من المقالات عن ظاهرة (الفرعونية والهامانية والقارونية) باعتبارها لا تزال مستمرة بكل تداعياتها، بأن نؤصل لها تأصيلا فكريا من خلال المصدر الأعظم الذي طرحها وكشفها وحذر منها، وهو القرآن الكريم، عبر التجليات الإلهية في القصة القرآنية.. مع الأخذ في الاعتبار أن القصص القرآني ليس كتابا في التاريخ، يسرد الحوادث بترتيب زمني، لمجرد إخبارنا ماذا فعل زيد أو عمرو. فهذا النوع من السرد موجود في كتب الأخبار، وهو من اختصاص المؤرخين. لكن القصص القرآني تفسير للتاريخ وقوانينه، وخط سيره بالمعارف والتشريعات، وإيراد الظواهر الفكرية والسياسية والاقتصادية، مع الأخذ في الاعتبار أن القصص القرآني ليس كتابا في التاريخ، يسرد الحوادث بترتيب زمني، لمجرد إخبارنا ماذا فعل زيد أو عمرو. فهذا النوع من السرد موجود في كتب الأخبار، وهو من اختصاص المؤرخين. لكن القصص القرآني تفسير للتاريخ وقوانينه، وخط سيره بالمعارف والتشريعات، وإيراد الظواهر الفكرية والسياسية والاقتصادية، التي هي ليست قوانين زمنية كحدث تاريخي، وإنما كقانون تاريخي.. وكمثال.. الظاهرة الفرعونية والظاهرة الهامانية والظاهرة القارونية، التي نحن بصددها.. فالقرآن لم يذكر الاسم الحقيقي لفرعون، أو لهامان، أو لقارون، بل اكتفى بالألقاب كرموز تعبر عن ظواهر الاستبداد السياسي، والاستبداد الديني العقائدي، والاستبداد المالي الاقتصادي. وتحالفات هذه الاستبدادات الثلاثة وعلاقتها ببعضها، وهو ما أشار إليه المفكر الدكتور محمد شحرور في كتابه القيم (الدولة والمجتمع) الذي نستعين بأطروحته في هذا السياق، إيمانا من كاتب هذه السطور بأهمية تعدد الآراء وتعددية الأصوات إثراء للحوار والفهم والطرح، وأن الرأي عندما يصدر من ذوي الاختصاص يستدعي وقفة جادة وحادة، وتصبح له قيمة مضافة، لا سيما أن من نستشهد به يعد واحدا من المفكرين المجددين في الفكر الإسلامي في السنوات الأخيرة بمجموعة مؤلفاته التي تثير ثقافة الأسئلة وتحرض على التفكير خارج الصناديق التي أغلقوا فكرنا فيها مئات السنين، ولا يزالون يجاهدون في إحكام عملية الغلق والإغلاق علينا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، مع اعتقادنا بأن ليس من حق أحد أن يقف ويقول أنا الإسلام.. أو يوحي لنا بأنه حصل على تفويض باسم السماء، فلا كهنوت في الإسلام، ولا وجود لمن يطلق عليه (رجل دين)!! فهذه واحدة من الأوهام التي تغتال الحقيقة الفكرية التي ينبغي أن تكون في فكرنا وتفكيرنا الديني. ورد ذكر فرعون، كرمز للاستبداد السياسي والسلطة، 47 مرة في القرآن، وتحدثت عنه الآيات أكثر مما تحدثت عن الوضوء والإرث والصدقات والزواج والطلاق والحج مجتمعة، مما يدل على أهميته، وعلى أهمية أن نفهم أن هذه الظواهر والقصص لم تأت لمجرد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم كأحداث تاريخية ثم تسجيلها بعد وقوعها. فالقصص القرآني جاء من الإمام المبين، أي من قوانين مفتوحة قابلة للتصريف، بدلالة قوله تعالى: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى.. (يوسف - 111). إلا أن ثمة ثلاثة قوانين مغلقة للتاريخ جاء بها القرآن ليست من القصص والإمام المبين بل هي من اللوح المحفوظ، قوانين مغلقة عامة ناظمة للتاريخ غير قابلة للتصريف، هي: 1- القانون الذي يشير إلى أن الزمن كفيل بإهلاك كل الحضارات، وإلغاء الأشكال القديمة وإبدالها أشكال جديدة بها، وأن كل حضارة تبلى من الزمن، فتبدأ بطور الجنين، ثم الطفولة، ثم الشباب، فالكهولة، فالشيخوخة، فالموت. ثم ينشأ من أحشاء هذه الحضارة جنين حضارة جديدة… وهكذا، وأن الأزمات الاقتصادية من الأسباب الرئيسية لهلاك الحضارات، كما جاء في قوله تعالى: "ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون"، (الأعراف - 130). ونلاحظ هنا قوله: "آل فرعون" ليعني سلسلة الحضارة الفرعونية بكاملها، كما نلاحظ القانون العام (السنين) والقانون الخاص "نقص من الثمرات"، وهو ما نسميه الآن نقص الاستثمارات والأزمات الاقتصادية. 2- القانون الذي يقول إن الامتيازات الطبقية تؤدي إلى دمار الحضارات (القرى) الذي ورد في قوله تعالى: "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيه فحق عليها القول فدمرناها تدميرا". (الإسراء - 16). إلا أن المسافة الزمنية بين سيطرة أصحاب الامتيازات الطبقية والإهلاك قد تطول أو تقصر، فهي مفتوحة، كما ورد في قوله تعالى: "ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده، وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون. وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير". (الحج 74 - و84). وأكد هذا القانون في قوله تعالى: "وإذا قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون". (الأعراف - 164). 3- قانون الهلاك الحتمي لكل الحضارات قبل يوم القيامة، بغض النظر عن صانع الحضارة هل هو قديس أم شيطان، وهو قانون يمكن معرفته فقط لأنه مغلق، وجاء في قوله تعالى: "وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا، كان ذلك في الكتاب مسطورا". (الإسراء - 58). وسنواصل من خلال الآيات الواردة في سور الإسراء والقصص والأعراف والعنكبوت وغافر تعريف مصطلحات (فرعون وهامان وقارون) وإعطاءها مضمونها المعاصر.