فيلم أغنية على الممر هو شاهد على قسوة الهزيمة ورغم أن الفيلم فشل في تحقيق إيرادات عند صدوره، إلا أنه يظل شاهدا على عصره وعلامة في تاريخ السينما. «مشكلتكم أنكم بتفشلوا وتلوموا المجتمع، المجتمع ما بيظلمش أنتوا اللي مش عارفين تتكيفوا» هل كان يقصد صلاح قابيل، بهذه الكلمات أن يلخص أسباب هزيمة أمة بأكملها، بل ويمنحها سبيلا للنجاة، أغلب الظن أن شخصيته في فيلم «أغنية على الممر»، لم تكن تقصد سوى السخرية من أقرانه فهو الناجح الوحيد فيهم، وهو على وشك منحهم درسًا مجانيًا في كيفية شق طريق النجاح في الحياة ب"الأونطة"، لكن المؤلف العبقري علي سالم، كان يقصد كل كلمة كتبها على لسان "قابيل"، فقد آمن أن السبيل الوحيد للتخلص من نكسة 1967 هو التكيف معها والمعافرة معًا لإيجاد سبيل لتحويلها إلى نصر. بعد هزيمة ثقيلة لم يتعافَ منها أبناء مصر بعد، اجتمع المخرج علي عبد الخالق والسيناريست مصطفى محرم معًا ليحولوا مسرحية علي سالم إلى فيلم سينمائي مدركين أن مصر في هذه اللحظة في أمس الحاجة إلى العزيمة، والفن هو سلاحهم الوحيد لإعادة روح النصر إلى شعب يختبر الخذلان بكل مرارته، ومن هنا وضعوا حجر الأساس في بعد هزيمة ثقيلة لم يتعافَ منها أبناء مصر بعد، اجتمع المخرج علي عبد الخالق والسيناريست مصطفى محرم معًا ليحولوا مسرحية علي سالم إلى فيلم سينمائي مدركين أن مصر في هذه اللحظة في أمس الحاجة إلى العزيمة، والفن هو سلاحهم الوحيد لإعادة روح النصر إلى شعب يختبر الخذلان بكل مرارته، ومن هنا وضعوا حجر الأساس في فيلم أغنية على الممر الذي لم يكتفِ بتسجيل مرارة الخسارة وحسب بل ضم مختلف أطياف مصر من المهمشين، ولمدة 86 دقيقة تسنى لنا التعرف على مسعد الدمياطي (صلاح قابيل) الذي لا يشغله طول فترة خدمته سوى معرفة ما سيتناوله ليلة الدخلة على حبيبته التي طال شوقه إليها، وشوقي (محمود ياسين) الذي وجد في الجيش تقديرًا وإحساسًا بالإنجاز لم يجده في أي مكان آخر، والشاويش محمد (محمود مرسي) الجندي الذي لا يعرف سوى الامتثال لأوامر القيادات، أما حمدي (أحمد مرعي) فهو الملحن سيئ الحظ الذي كانت كلماته الحائل الوحيد بين كتيبته وبين الاستسلام. رسم علي سالم تفاصيل أبطال «أغنية على الممر» بمنتهى الدقة، ثم وضعهم في اختبار هو الأصعب فإما النجاة والعار، أو الموت والبطولة، فبقيادة الشاويش محمد وجدت الكتيبة المكونة من (منير، شوقي، حمدي، ومسعد) أنفسهم محاصرين في الممر بعد انقطاع الاتصال بالقيادة وبدون ذخيرة أو إمدادات بات من الواضح أن النهاية الوحيدة المؤكدة هي الموت؛ إما برصاص العدو أو جوعًا وعطشًا، وبينما كان "منير" الذي اعتاد على تلبية نزواته طوال حياته أول المستسلمين وأول الموتى، صمد الباقون مرددين لحن "حمدي" أبكي أنزف أموت وتعيشي يا ضحكة مصر، وتعيش يا نيل يا طيب، وتعيش يا نسيم العصر، وتلاميذ المدارس والنورج اللي دارس، والعسكري اللي دايس على الصعب عشان النصر. أحنا هنغلبهم بالغنا؟ هكذا صرخ "منير" مندهشًا في أقرانه الذين بدأوا وصلة من الغناء الحماسي بينما العدو يهددهم بالموت، غير مدرك أن الفن هو الدليل الوحيد على بطولتهم، هو الذي يبقيهم متماسكين ويذكرهم أن الموت هو تضحية هينة في سبيل ضحكة مصر، ورغم اختلاف دوافع أفراد الكتيبة للمثابرة لكنهم اجتمعوا على أن الموت دون تسليم الممر، ف"شوقي" يرفض الهروب لأن الممر هو المكان الوحيد الذي لم يشعر فيه بالفشل، بالعكس وجد احتفاء يليق بالأبطال، أما الشاويش محمد فالهروب بالنسبة له عار أسوأ من الموت، أما مسعد فقد كان يرفض بكل بساطة أن يرى نظرة تشفي العدو بعد أن يرفعوا راية الاستسلام البيضاء، ورغم أنه يمتلك الكثير ليخسره فهو لم يتزوج حبيبته بعد، لكن الموت كان أحب إليه من شماتة العدو. بعد صدور فيلم "أغنية على الممر" بعام واحد، حقق الجيش المصري نصرًا ساحقًا على إسرائيل في حرب أكتوبر 1973، وبينما لا يمكن إنكار أن السبب الأول في هذا النصر هو تضافر جهود الجيش والشعب، إلا أنني أحب أن أظن أن الفن أيضًا كان له دور، فبفضل الأغاني والأفلام الوطنية ظل الشعب مدركًا أن الهزائم ما هي إلا جولات في طريقنا للنصر، ليأتي فيلم أغنية على الممر ويرسخ هذه الفكرة، مانحًا الشهداء إهداء رقيقًا ورسالة شكر من أسرة الفيلم في البداية، ومذكرًا الجمهور طوال العرض أن النصر ما زال بالإمكان طالما نتنفس. رؤية علي عبد الخالق، صاحب مجموعة من راوئع الأفلام مثل الكيف، إعدام ميت، والبيضة والحجر، كانت السبب في انضمام فيلم «أغنية على الممر» إلى قائمة أفضل مئة فيلم مصري، ليحصل على المركز ال66 فيها، وينجح في الفوز بأكثر من جائزة محلية ودولية منها جائزة مهرجان كالروفي فاري، ومهرجان طقشند، وما كان ذلك ليتحقق بدون وجود مخرج واعٍ يبث الروح في السيناريو أمامه.