لسنا في محل الرد على ما أورده الروائي يوسف زيدان تاريخيًا بشأن الملك الناصر صلاح الدين، فهناك من هم أعلم للرد، لكن سنتناول تعليقاته على الصورة التي تم تصويره بها فنيًا. منحتنا الهيئة العليا لمعرض القاهرة الدولى للكتاب فرصة، ووضعتنا فى مواجهة تحد؛ حين اختارت اسم الكاتب عبد الرحمن الشرقاوى ليكون شخصية الدورة الجديدة من المعرض التى ستبدأ السبت المقبل، فاستعادة الشرقاوى لا بد أن تصطدم بوقائع وشخصيات كثيرة، فلا يمكن استعادة الشرقاوى دون التطرق إلى القضية الفلسطينية وفى قلبها القدس، وعندها سيكون إلزاما أن نتناول السيد ترامب وقراره، وقبل كل شيء، وكل أحد، يجب أن نتواجه مع الدكتور يوسف زيدان فقد تطرق فى الأشهر القليلة الماضية إلى موضوعات وشخصيات تناولها الشرقاوى، وتمثل الجانب الأهم فى نتاجه الأدبى. يهمنا هنا موضوعان: هل صنعت سلطة يوليو والفنانون الذين كتبوا فيلم الناصر صلاح الدين - 1963- صورة صلاح الدين؟ وهل لم تكن هذه الصورة موجودة قبل سنة 1950؟لن نهتم هنا بالرد على الدكتور، سنحاول أن نكتشف حضور صلاح الدين فى المسرح العربى قبل سنة 1950، نتحدث عن صلاح الدين كشخصية مسرحية، وليس عن شخصه فى يهمنا هنا موضوعان: هل صنعت سلطة يوليو والفنانون الذين كتبوا فيلم الناصر صلاح الدين - 1963- صورة صلاح الدين؟ وهل لم تكن هذه الصورة موجودة قبل سنة 1950؟ لن نهتم هنا بالرد على الدكتور، سنحاول أن نكتشف حضور صلاح الدين فى المسرح العربى قبل سنة 1950، نتحدث عن صلاح الدين كشخصية مسرحية، وليس عن شخصه فى التاريخ، فهذا موضوع آخر. عمر حضور شخصية صلاح الدين الأيوبى فى المسرح العربى من عمر هذا المسرح ذاته، حتى لم يجد الناقد المغربي الدكتور عبد الرحمن بن زيدان عنوانا أكثر مناسبة من: "صلاح الدين الأيوبي بطل المسرح الدائم" لمقاله المنشور فى عدد مارس 2013 من مجلة الدوحة، وفيه نكتشف أن ذلك الحضور من عمر بدايات المشروع الصهيونى الجدية. من مقال ابن زيدان نقرأ: "لقد كانت هذه النصوص المسرحية التي رسمت صورة البطل -صلاح الدين- والبطولة في المسرح العربي أمينة للمرجع الأول الذي انطلقت منه وهو رواية (TALISMAN) (التعويذة أو الطلسم) للكاتب الإنجليزي السير والتر سكوت (1771- 1832،WALTER SSCOTT)، والتي ترجمها نجيب حداد، فى صياغة شعرية نثرية من خمسة فصول، وتم تقديمها لأول مرة في الإسكندرية، بتاريخ 28 03 1893 تحت اسم (السلطان صلاح الدين الأيوبي مع ريكاردوس قلب الأسد)، وبعد انتشار صورة البطل صلاح الدين الأيوبي كرؤية غربية لصورة هذا البطل الإسلامي، وانتشار هذه الترجمة قام فرح أنطوان بتقديم صياغة متكاملة لصورة هذا البطل في مسرحية (صلاح الدين ومملكة أورشليم) وهي النص الذي انطلقت منه العديد من العروض التي تمّ تقديمها في أرجاء الوطن العربي، وذلك من أجل معارضة الرؤية الغربية لصورة البطل بأخرى عربية تعتمد على إدماج العديد من العلامات التاريخية العربية الإسلامية، في علامات النص التاريخي، فصارت صورة البطل في كل العروض صورة للمقاومة تقدم التراث الجهادي في التاريخ العربي، وتوضح صورة البطل الذي يجب أن يكون مطابقا لصورة الحاكم في الزمن المعاصر. تمت طباعة نص نجيب حداد المسرحى عدة طبعات، فى الإسكندريةوالقاهرة ودمشق خلال الفترة من 1902 إلى 1920. توثيق هذه البداية موجود فى عدد من المراجع، منها: معجم المسرحيات العربية والمعربة ( 1848- 1975)، من تأليف: يوسف أسعد داغر، الصادر عن سلسلة المعاجم والفهارس، منشورات وزارة الثقافة والفنون، العراق، 1978، وقد تناول المعجم بالتعريف ما يزيد على 3600 مسرحية عربية أو معربة ظهرت فى مختلف أقطار العالم العربى خلال الحقبة الممتدة بين 1848- 1975، ومعجم المسرحيات السورية المؤلفة والمعربة 1865 - 1989، تأليف: هيثم يحيى الخواجة. لن نعدد ما هو مذكور فى تلك المراجع عن حضور شخصية صلاح الدين فى المسرح العربى قبل سنة 1950؛ قبل سلطة يوليو وجمال عبد الناصر، وعبد الرحمن الشرقاوى وأحمد مظهر، لكننا يمكن أن نضيف معلومتين، الأولى عن مسرحية: "صلاح الدين أو فتح بيت المقدس"، وهى من تأليف فرح أنطون، وقد صدرت في القاهرة عام 1922، في 63 صفحة، وقام جورج أبيض بإنتاجها وإخراجها وتمثيلها على خشبة المسرح في القاهرة، ثم أعيد تمثيلها من جديد في الموسم 1939 1940، من إخراج فتوح نشاطي، من بطولة أحمد علام. ويذكر المؤرخون المسرحيون في الأردن أن "الفترة البكر من مسيرة الحركة المسرحية الأردنية حيث كانت المسرحيات تقدم داخل الكنائس والأديرة، والمدارس، والنوادي، والجمعيات.... شهدت تقديم مسرحية "صلاح الدين" لنجيب حداد، في عام 1924، وقد شجع على تقديمها ما تتضمنه من استحضار لنماذج من التاريخ العربى وحالات مشابهة لما يمر به الوطن نتيجة للغزو الاستعماري وكيف تضافرت جهود القادة والشعب على صد المكائد والفتن والغزو الخارجى". ولننظر مرة أخرى إلى البداية، إلى السير والتر سكوت ونجيب حداد (1867 - 1899)، الصحفي والأديب والشاعر والقاضي والمترجم، لبنانى المولد، الذى ينتمي لأسرة من الأدباء والشعراء والفصحاء، جاء مع أسرته، طفلا، للإقامة بالإسكندرية، وعمل محررا ومترجما بجريدة الأهرام، وأسهم فى تأسيس عدد من الصحف والمجلات قصيرة العمر، وترجم مسرحيات لكل من: كورني، راسين، موليير، سوفوكليس، شكسبير. كتب سكوت، الشاعر والروائى والمسرحى البريطانى رواية "الطلسم" فى نهايات حياته، وهي روايته الوحيدة عن الحروب الصليبية. عرف سكوت واشتهر أساسا من خلال رواية "إيفانهو"، وعقب صدورها منح سكوت لقب سير - عام 1822- ولأنه اعتاد أن يكون أبطاله دائما من النبلاء المتخاصمين، فإنه حول الحرب بين الصليبيين والمسلمين إلى مواجهة بين نبلاء، خاصة بين الملك ريتشارد قلب الأسد، وصلاح الدين الأيوبي، حيث فقد كل من الاثنين الشعور بالعداء الذي يود فيه كل منهما تدمير الآخر، ولكنه يسعى للانتصار على منافسه، خاصة صلاح الدين الأيوبي الذي تسلل ليلا وسط الجيوش الصليبية وهو يحمل معه الدواء اللازم لعلاج خصمه. من هنا جاءت تلك التفصيلة الموجودة فى فيلم الناصر صلاح الدين، صورة صلاح الدين هذه بنت الرومانسية الأوروبية، فعقب فشل الحملة الصليبية الثالثة (1189-1192 )، التى قادها ثلاثة من أكبر وأشهر ملوك أوروبا وقتها: فريدريك الأول بربروسا إمبراطور ألمانيا، وفيليب الثاني أغسطس ملك فرنسا، وريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا، أضحى هناك شعور عميق بالفشل دون معرفة السبب، وبمرور القرون، أصبحت ذكرى تلك الحملات والحروب باهتة، وانتفى السؤال، فبالنسبة للشاعر الأسكتلندى الذى يرى فى الربع الأول من القرن التاسع عشر مدى اتساع سيطرة التاج البريطانى على العالم لن تكون مسألة الفشل واردة، والسؤال لا بد أن يجاب عليه بروح رومانسية شعرية تحاول أن تعلو فوق الخلاف والصراع والحرب بروح وسلوك نبيل، حيث يقدر الفارس قيمة خصمه.