رشة جريئة.. بل متبجحة من القنوات الفضائية تحاول أن تشوش على تفكير ووعى الشعب المصرى، لا نعرف من يمولها؟ ولا من وراءها؟ وهل انطلقت بأموال مصرية أو عربية تريد أن تجر مصر إلى الخلف؟ المهم أنها تدس السم فى العسل بين ثنايا ما تقدم من حوارات، وتحمل أسئلة محاوريها المبطنة بالحقد على الثورة والثوار، وتستضيف عددا لا يستهان به من المتحولين كمذيعيها. قنوات أضطر بحكم التخصص فى الإعلام أن أتابعها أحيانا فأشعر أن ضغطى المنخفض يكاد ينفجر.. ومرارتى تكاد تفقأ!! وأخشى ما أخشاه أن ينطلى ويمر ما تقدمه هذه القنوات على غير المتخصصين وعلى البسطاء من الناس. وقد شاء القدر والمصادفة معا أن أطّلع على عدد يُقال إنه «عدد تاريخى» من مجلة «المصور» صادر فى يونيو عام 1999م، ويحمل على غلافه سؤالا مؤداه: فترة حكم جديدة لمبارك.. لماذا؟ وهالنى كم الشخصيات العامة سياسية وعسكرية ودينية، وأدبية وفنية ورياضية، الذين يجيبون عن السؤال، وهالنى كم النفاق الذى كان يُمارس تجاه الرئيس السابق.. ولعل هذا النفاق الفج هو ما أدى به إلى هذه النهاية التعسة بكل المقاييس، ولن أنبش فى كل الأقول التى قرأتها.. لأن بعضهم توفى وبعضهم توارى.. لكن صدمنى بحق ظهور أحد أهم شعراء الحداثة فى مصر منذ حقبة الستينيات، على شاشة إحدى القنوات إياها، وهو كما يقول المثل «يتمضمض بالمسك»، ويلوك سيرة عبد الناصر، ويتهمه بأنه أسوأ الطغاة.. بل هو أسوأ من مبارك، لأنه من كرَّس للطغيان، والحقيقة أن المقارنة غير واردة أصلا ولا وجه لها!! ثم عرج للهجوم على من تلا عبد الناصر من طغاة. السادات، وقال رأيه فيه، وإلى هذا الحد هو حر فى رأيه، وفى ما يقول.. رغم أن فيه تضليلا لا يحتاجه الشعب المصرى الآن بالذات، وفى هذه المرحلة الانتقالية التى يحتاج فيها إلى الوعى، كى يُحسن الاختيار، ولا يقع مرة أخرى فى براثن طغاة.. ولكن ما صدمنى حديثه عن الرئيس مبارك كطاغية.. فقفزت لأسحب المجلة لأقارنه بما يقول على الشاشة.. أقول صدمنى رأى الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى، وهو يتضاءل ويقص نفس الحدث الذى التقى فيه الرئيس مبارك وحادثه بود وبتلطف وصراحة، على حد قوله، وأنه عانقه، ثم يقول نصا «إن رئيسا نستطيع أن نقول له فى وجهه لا، لا بد أن نقول له وهو مرشح: نعم». وأضاف حجازى إلى رؤيته «ما ننعم به من حرية التفكير والرأى سنده الأول هو الرئيس مبارك، هذا أيضا سبب يجعلنا نتمسك بالرجل على قمة السلطة فى مصر، وأنا واثق من أن الرئيس مبارك من خلال معرفتى به وبالواقع الذى عاش فيه قد عايش التجربة الديمقراطية المصرية... والمنطقة التى ولد فيها فى المنوفية... وأنا أرد حماسة الرئيس للديمقراطية وتعاطفه معها وحمايته لها إلى هذه النشأة». ثم راح يتحدث عن النشأة العسكرية لمبارك وروح الجندية الذى تميز به أداؤه السياسى عموما، وقال نصا «إن الرئيس امتزجت فيه قيمتان مؤثرتان فى تاريخ مصر.. القيمة الثقافية والقيمة العسكرية، وهذا ما يجعلنى أقف إلى جواره فى التجديد له»، تصوروا على مدى صفحة مجلة من القطع الكبير ك«المصور» راح المثقف الكبير يمتدح الرئيس المخلوع، ويشاء حظى السيئ والعسر أن أراه وهو يتحول ويخدع شعب فى أمس الحاجة إلى مثقفيه وكباره كى يزيدوا وعيه ولا يخدعوه، ولا يراهم وهم يتحولون ببساطة، كأنهم يخلعون عن أجسادهم ثيابا قد اتسخت!!!