لا أعلم السر الذى يدفع كل الأطراف لتجاهل بداية اعتصام 8 يوليو وأسبابه، الأمر الذى يجعلنى أروى القصة مرارا وتكرارا حتى مللت ولا يمل الناس من تناسى بؤرة المشكلة. ما حدث أن أهالى الشهداء طالبوا بالقصاص، فاعتصموا أمام ماسبيرو بداية من 24 يونيو، ثم اعتدت عليهم الشرطة فى 28 يونيو، مما كان من شأنه الدعوة لتأجيل الخلافات المفتعلة بين فريقى الدستور أولا والانتخابات أولا، للاجتماع فى يوم 8 يوليو والمطالبة بالقصاص من قتلة الشهداء. ثم قرر فريق الاعتصام مع أهالى الشهداء، المعتصمين بالأساس، وقرر فريق آخر الانسحاب، ولسبب لا يعلمه إلا الله ورسوله والمؤمنون جميعا، قررت القوى السياسية المعتصمة تجاهل السبب الحقيقى للاعتصام، والوقوف على المنصات للمناداة بكل المطالب عدا مطالب أسر الشهداء، مما أدى بالقوى المنسحبة -وهى الإخوان المسلمون دون ذكر للأسماء- إلى العودة للدخول فى جدل الانتخابات أولا، حيث إن بعض الشخصيات التى ادعت التحدث باسم الاعتصام ظلت تلح فى مطلب الدستور أولا، بينما يقف أهالى الشهداء والمتضامنون معهم «شبكة» بين الفريقين. نحى أصحاب الاعتصام من الاعتصام، وخفت صوتهم، وكلما ذكّرنا بهم فى ظل عودة الجدل بين القوى السياسية، زجرونا قائلين: كفى اتجارا بدم الشهداء! وكأنهم لا يرغبون حتى فى سماع سيرة الضحايا الذين تخطوا دماءهم ليعبروا إلى مكاسب سياسية. أما المجلس العسكرى وحكومة عصام شرف فقد اتبعوا منهجا رائعا: الاستجابة لكل المطالبات التى لم يطلبها أحد، وتجاهل كل مطالب أهالى الشهداء، والرد على أسئلة لم يسألها أحد، بينما لا يجدون ردا للسؤال الجوهرى: أين القصاص لدماء الشهداء؟ إلا أن المجلس العسكرى قد قرر زيادة التعويضات لأسر الشهداء، وكأنك تنجب ابنك، و«تعلفه»، وتسمنه، وتكبره، حتى يقتله قناص الداخلية، فتفرح برزق أتاك على جثة فلذة كبدك. ثم كانت الطامة الكبرى فى جمعة الخديعة، 29 يوليو، حيث واصلت القوى الإسلامية شجارها مع القوى العلمانية حول الدستور والانتخابات. أقول جمعة الخديعة، لأن أطرافا ممن حرصوا على عودة الاعتصام إلى عنوانه الصحيح، ألا وهو: أهالى الشهداء، كانوا قد سعوا للتوافق بين القوى الداعية للدستور والقوى الداعية للانتخابات، وطلبوا منهم تنحية خلافاتهم، ولم شملهم، حتى نسكت صراخ الدم، فوافقت الأطراف، والتزم الطرف الداعى للدستور أولا، بينما انقسم الطرف الآخر ما بين ملتزم بالعهد -الإخوان المسلمين- وما بين غادر -السلفيين- فدخلنا فى جدل جديد: اتفقنا... لا ما اتفقناش.. وربنا اتفقنا.. طب يمين على يمينك ما اتفقناش... كده؟ طب أنا ماشى.. إنت حتخوفنى؟ وأنا كمان ماشى. وعز عليك تسيب العند وتسامح، وعز عليا أكون البادى واتصالح. ذهب الجميع وتركوا أهالى الشهداء، وقلة قليلة جدا من المتضامنين معهم، وأغلبية غالبة من عناصر المخابرات العسكرية والتحريات العكسرية التى ما إن هجم الجيش والشرطة على الاعتصام لفضه حتى فوجئنا ب«رفقاء الاعتصام» يرتدون الخوذ وسترات الجيش ويوسعوننا ضربا، فكان الهجوم من الخارج ومن الداخل عبر عملاء تم زرعهم على مدى ثلاثة أشهر، بينما يقف بعض المواطنين، المداومين على مشاهدة التليفزيون، يصفقون لقوات الجيش والأمن المركزى وعملائهم الذين زاملونا الاعتصام وهم يهتفون: الجيش والشعب إيد واحدة. وأنا أقف أمسك بيد أحد الأصدقاء الذى أعرفه منذ زمن، وأعرف أنه لا يعمل لصالح المخابرات العسكرية، ولا نعلم من أين أتت الخيانة: أهى ممن ادعوا التضامن لاستغلال الاعتصام لمصالحهم السياسية؟ أم هى ممن انسحبوا ثم عادوا وقد بيتوا الغدر؟ أم ممن غذوا الاعتصام بحصان طروادة وعناصر دأبت على المزايدة على ثورية المعتصمين ثم فوجئنا بهم يرتدون السترات الميرى؟ أم من الذى استهتر بدماء الشهداء، وظنها لا تساوى أكثر من 30 ألف جنيها على كل «رأس»؟ أم ممن خرج من ميدان التحرير ليجلس على كرسى وزارته الوثير وكلما طالبناه بما تعهد قال لك: اعمل نفسك ميت اعمل نفسك ميت؟ بارك الله لكم.. بارك الله لكم جميعا فى مناصبكم، وحرياتكم، وأحزابكم، ووزاراتكم، ومجالسكم، وكل ما حققتموه وما زلتم تطمحون إلى مزيد. لكننى أذكركم بأن المجلس العسكرى، وعصام شرف، والإخوان المسلمين، والسلفيين، والتيارات العلمانية بكل أطيافها، ما كان لهم أن يكونوا فى هذه «الأملة» لولا من ماتوا ومزقوا أكباد أمهاتهم النائمات على الأرصفة!.. ولله الأمر من قبل ومن بعد