أحمد مكي.. حينما يكون «الراب» عنوانًا لسلوكيات «أغلى من الياقوت»

منذ ظهوره على الساحة كمخرج ومؤلف وممثل في عام 2005، وعُرف ذو الأصول الجزائرية أحمد مكي، أنه بجانب ذلك، يمارس هوايته في تأليف أغاني "الراب" وأدائها في بعض أفلامه مثل أغنية "جدعان طيبين" ضمن بطولته السينمائية الأولى "H دبووور"، وفي عام 2012 أصدر أول ألبوم له بعنوان "أصله عربي"، وتضمن أغانى حققت شهرة واسعة، منها "منطقتي، قطر الحياة، أيام زمان"، وعُرف عن أعماله الغنائية أنه يعبأ دائمًا بأصالته وقيم وقضايا المجتمع والشباب بطريقة هادفة بلا تكلفة، وناقدة بلا إسفاف، واستطاع أن يكون أحد أكثر الفنانين قربًا من قلوب المشاهدين.
وبعد رحلة تخطت العام مع الإصابة بفيروس في الكبد والطحال كاد يُهلكه، عاد أحمد مكي في 2017 بعد انقطاع تمثيلي وغنائي، وفي منتصف ديسمبر من نفس العام، طرح أحدث أعماله الغنائية المصورة عبر قناته على "يوتيوب"، وتحمل عنوان "وقفة ناصية زمان"، من تأليفه وإخراجه، وألحان آدم الشريف، وحاول من خلالها، إرسال رسالة تقدير لالأحياء الشعبية المصرية، والجمال الحقيقي الذي تذخر به، الطالبية في هذه الحالة، متذكرًا نسختها الأقدم والأفضل، محاولًا تأسيس نظرة رافضة وناقدة للحاضر، وحققت الأغنية نجاحًا كبيرًا، وتخطت مشاهداتها حاجز ال25 مليونًا حتى الآن.
مكي قال حينها إن "وقفة ناصية زمان" ضمن ألبوم جديد من إنتاجه يعتزم طرحه، إلا أنه تراجع عن الفكرة على أن يطرح أغنية جديدة كل فترة، وبالفعل في نهاية يوليو الماضي، طرح "قرن الغزال - آخرة الشقاوة" مع محمود الليثي، من كلماته ومحمد البوغة، وألحان وتوزيع شادي السعيد، وتناول فيها على طريقة الرسوم التعبيرية مصير بعض المنحلين أخلاقيًا، ومن يتخذون مِن البلطجة وتجارة المخدرات نهجًا في حياتهم، وتخطت مشاهداتها حاجز ال10 ملايين مشاهدة عبر "يوتيوب" حتى الآن.
ومنذ ساعات، طرح مكي أغنيته الجديدة "أغلى من الياقوت"، من كلماته وألحان وتوزيع شادي السعيد، التي تقترب من المليون مشاهدة، ويوجه من خلالها رسالة جديدة لابنه "أدهم"، رسالة أكثر وضوحًا ومباشرةً من تلك التي قال إنه وجهها له أيضًا في "وقفة ناصية زمان" لتعليمه بعضًا من القيم والرسائل التي تربى عليها والده في الطفولة، ويخاطبه في الأغنية الجديدة، وينطق بلسان كل أب، ويتضرع إلى ربه من أجله: "يا رب يا كريم اهديني وقويني ووفقني لسكة تربيته على الشيء السليم، عارف إني مش مثالي بس طمعان في كرمك تخلي حاله أحسن من حالي، وأنا أوعدك يا رب هحاول أبقى أحسن أب، وأديه اللي ما شفته في نهر طفولتي إلى نضب".
مكي يُكمل رسالته الطويلة في كليب تم تصويره بالفيوم، أخرجه بالتعاون مع مدير التصوير أحمد يوسف، ويخاطب صغيره: "كتبت رسالة ليك عشان لو قدري وقته حان، ومش مكتوب ليّا أكون جنبك لآخر الامتحان، عاوزك تكون صاحب عزيمة فولاذ حديد، تكون لربك شاكر وجهد الناس تقدر، اوعى تظلم مهما كنت قادر ربك أقدر"، وغيرها من النصائح، التي قدّمها لنجله، ويختتم على نفس النهج بكلمات بسيطة ومؤثرة: "لما أبطل أمشي لوحدي خطوتين، لما أكون أضعف إني أشرب من غير مُعين، لما تموت الذاكرة، وبالعافية أعرف أنت مين، وجودك جنبي كفاية لحد ما يجيلي اليقين، كلمتين هقولهم عندي أغلى من الياقوت، كنت معاك يوم ولادتك عايزك جنبي يوم ما أموت".
وطرح مثل هذه القضايا الاجتماعية، ورصد أخلاق زمن ماضٍ باتت مندثرة في وقتنا الحالي، والاستعارة من الكليشيهات الأخلاقية للماضي الجميل؛ أمور يتبناها أحمد مكي في معظم أغنياته التي قدّمها بأسلوب "الراب"، انطلاقًا من نقده لسلوكيات وقيم نتخذ منها نهجًا عامًا في الوقت الراهن، وفي ذلك رسائل مبطنة تُشجع على تبني قيم أفضل، وسلوكيات أقوّم، ناطقًا بلغةٍ تُعبر عن الشباب، بالعبارات والإيفيهات، وبأفعالٍ تُشبههم، وبنى بذلك مكي قاعدةً ثابتةً لاسمه، وأصبح بتنوعه واختلافه وشموليته يغرد منفردًا ليس له منافس بكلمات تُعبر عن حاضرنا وتُرثي ماضينا المُشرق، فشكّل جماهيرية كبيرة كانت سببًا لنجاحه على مدار أعوام، ولا تزال.
أحمد مكي مولود في 19 يونيو 1978، بوهران بالجزائر، لأب جزائري وأم مصرية، ثم انتقل إلى مصر مع والدته، وترعرع في حي الطالبية، وبدأ مشواره منذ الالتحاق بمعهد السينما قسم إخراج، حيث أخرج فيلمه الأول "الحاسة السابعة" (2005)، وهو بالسنة الدراسية الرابعة، وسرعان ما انطلق نجمه كممثل كوميدي بعد نجاح شخصية "هيثم دبور" التي قدّمها بفيلم "مرجان أحمد مرجان" (2007)، ومن ثم كانت بطولته الأولى المطلقة في "H دبووور" (2008)، وأعقبه بأفلام "طير إنت، لا تراجع ولا استسلام، سيما علي بابا، سمير أبو النيل"، ومسلسلي "الكبير أوي" بأجزائه الخمسة، وأخيرًا "خلصانة بشياكة" (2017). (للمزيد عن حياة مكي اضغط هنا)