مدير مستشفى الأمراض النفسية: «عندنا 200 مريض تم شفاؤهم وأسرهم مش عايزين يستلموهم» نتعامل مع نزلاء دائرة المودعين كمرضى لا سجناء.. ونحضر 12 ألف وجبة يومياً «المتهم ارتكب جريمته ولم يكن في كامل قواه العقلية ونرجى من هيئة المحكمة تحويله للطب الشرعى».. جملة كثيرا ما نسمعها في قاعات المحاكم، على أثرها يتخذ القاضى قراره بتحويل المتهم للجنة الأطباء النفسيين بالطب الشرعى لتوقيع الكشف عليه قبل الحكم عليه، وعند إثبات أن المتهم مريض نفسي يتم تحويله لمستشفى الأمراض العقلية، ومن هنا قررت «التحرير» البحث عن رحلة هؤلاء المتهمين المرضى داخل المستشفيات، وتحديدا داخل مستشفى الصحة النفسية بالخانكة. عنبر الخطرين للوهلة الأولى تخطفك نظرات الشفقة للمرضى المودعين بأمر محكمة، يشير الدكتور وائل سليمان، مدير عام مستشفى الصحة النفسية بالخانكة، إلى أن قسم المودعين مختص بالمرضى المتهمين على ذمة القضايا الذين دخلوا للمستشفى بقرار من اللجنة المشكلة بالطب الشرعى بمستشفى العباسية، لافتا إلى أن مبنى العنبر يختلف عن باقى بنايات المستشفى، فهو محاط بسور مرتفع للغاية، بالإضافة للسلك الشائك، وبوابة حديدية ضخمة. عند محاولة الدخول يستوقفك أحد رجال الشرطة المكلف بحراسة المبنى، ويطلع على الهوية، وغير مسموح بالدخول لغير الأطباء وطاقم التمريض المسئول عن المكان، كانت هذه هي التعليمات قبل محاولة الدخول لعنبر المرضى المتهمين. كانت أولى زياراتنا لقسم الصدر بالمستشفى وهناك تقابلنا مع عدد من المرضى السجناء وكانت حالاتهم هادئة للغاية ويتعاملون بشكل طبيعي مع الطبيب وطاقم التمريض، وتصادف موعد الزيارة للقسم موعد وجبة الغداء، والتى كانت مكونة من مكرونة باللحم وطبق آخر للفاكهة، وهنا جاء أحد المرضى بجوارنا وقال «يا بيه أنا طلبت كذا مرة كشرى فين أنا عايز كشرى»، وهنا تدخل على الفور أحد طاقم التمريض ووعده بتقديمه له فى الوجبة القادمة. ولم يسمح لنا بإجراء حوارات صحفية مع المرضى السجناء نظراً لكونهم غير مكتملي الأهلية "ليسوا بكامل قواهم العقلية والإدراكية" لذا اكتفينا بملاحظة طرق معاملتهم وعلاجهم. وأوضح مدير مستشفى الخانكة، فى نهاية جولتنا أن جميع من بالمستشفى يتعامل مع السجناء على أنهم مرضى فقط ودون النظر للتهمة، مشيراً إلى أن هناك لجنة سنوية يتم عقدها وهى مكونة من ممثل من وزارة العدل والأمن العام وأحد كبار الأطباء النفسيين، وذلك لبحث حالات هؤلاء السجناء، ومن يتم شفاؤه يعود مرة أخرى للحياة بالخارج عقب قرار القاضى. مافيش حاجة اسمها مجنون وأكد الدكتور وائل سليمان، أن المستشفى مقام على 175 فدانا ويوجد به العديد من الأبنية التى تتنوع بين أقسام علاج الإدمان والعلاج النفسى والجزء الأخير وهو دائرة المودعين والمختص بعلاج مرضى على ذمة القضايا ويتم تأمينه بواسطة وزارة الداخلية. وبداخل المستشفى يوجد 2200 سرير، موزعة على 3 أقسام، يتم تحضير 12 ألف وجبة غذائية يومياً داخل مطبخ المستشفى، للمرضى والنزلاء، ويتضمن البرنامج الغذائى بالمستشفى 3 أيام فراخ و3 أخرى لحوم والأخير أسماك، ويكون لكل مريض دولاب خاص به يحتفظ بداخله على الأدوية الخاصة به ويتم وضع متعلقاتهم الشخصية وذلك لعدم خلطها مع باقى المرضى ولتفادى المشاجرات فيما بينهم. وأوضح مدير المستشفى، خلال حديثه أن معظم المواطنين لديهم مفاهيم خاطئة حول المريض النفسي ولديهم الكلمة الشائعة "ده مجنون"، بالرغم من أن المصطلح لا يوجد، وإنما يكون يعانى من اضطرابات فى قدراته العقلية ويحتاج لعلاج نفسى سواء بالأدوية وجلسات التأهيل، بالإضافة للعلاج بجلسات الكهرباء، وهى الأخرى ليست جلسات تعذيب كما تناولتها الأعمال الفنية، ولكن يتم إخضاع المريض للتخدير وعقب الانتهاء من الجلسة يتم نقله لغرفة الإفاقة ولا يشعر بالألم الرهيب كما يعتقد الجميع. 200 مريض يواجهون المجهول كشف الدكتور سليمان أن نسبة شفاء المرضى بالمستشفى مرتفعة، بالرغم من أنها فى بعض الأحيان تأخذ عدة سنوات نظراً لاحتياج المرض النفسى لفترة علاج طويلة، منوها بأنه يوجد الآن فى المستشفى 200 مريض تم شفاؤهم ولكن أسرهم ترفض تستلمهم، وليس أمام إدارة المستشفى قرار أمام ذلك سوى الانتظار، قائلاً «دلوقتى المرضى دول مش عارفين نوديهم فين، علشان عارفين إن طول السنين اللى فاتت المستشفى بقت بيتهم وأسرتهم ولازم ننظر ليهم بعين الرحمة». وذلك بالإضافة لعدد آخر من المرضى وهم من مشردي الشوارع تم إدخالهم المستشفى بقرار من النيابة العامة نظراً لخطورة وجودهم بالخارج، وعقب انتهاء فترة علاجهم وتماثلهم للشفاء لا يوجد مكان بديل لهم وننتظر أيضا قرار النيابة فى هذا الشأن.