إستيفان روستي.. الشرير الأرستقراطي الظريف، الذي سحرته مصر بجمالها نهاية القرن التاسع عشر رغم أنه مولود لأب نمساوي وأم إيطالية، واعتبرها وطنه وحينما ضاقت به الحياة زرعًا واضطر أن يهاجر عاد إليها آسفًا، ليكون له فضل كبير على السينما المصرية، يكفيك أن تعرف عزيزي القارئ أنه مخرج أول فيلم مصري روائي صامت، كما ترك بصماته الواضحة ولمساته المتفردة ذات النكهة الخاصة في أدواره كممثل بارع، ورغم ذلك رحل وليس في جيبه سوى بضعة جنيهات. النشأة ولد في 16 نوفمبر 1891، كان والده بارون نمساويا من أكبر العائلات الأرستقراطية، وكان يقطن قصرًا في فيينا، ولكنه اختلف مع أسرته بسبب رفضه للزواج من ابنة عمه، وعلى أثر الخلاف سافر إلى إيطاليا، وهناك تعرف على فتاة إيطالية جميلة أحبها وتزوجها، ثم جاءا لزيارة القاهرة، فأعجبتهما الحياة فيها، فاشترى الزوج فيلا في حدائق شبرا، وأقاما فيها، وعاشا حياة سعيدة، لكن هذه السعادة لم تدم طويلًا، إذ تسرب أمر زواجه من إيطالية إلى أسرته في النمسا، فجن جنون والده، الذي أرسل يستدعيه تحت التهديد بحرمانه من التركة والميراث إذا لم يترك زوجته ويعود إلى بلاده، فلم يجد الزوج حلًا سوى ترك زوجته في مصر والعودة للنمسا، ولكنه ظل يراسلها، ويبعث إليها بالمال أحيانًا، وبوعود تؤكد عودته في وقت قريب أحيانًا أخرى، خاصة أنها كانت على وشك أن تضع مولودها، ولكنه في النهاية لم يعد، ووضعت الزوجة مولودها، وأسمته على اسم أبيه إستيفانو دي روستي. اقرأ أيضًا.. توفيق الدقن أشهر شرير في السينما.. بدأ بالقرآن وختم حياته به الوالدة انتقلت بطفلها إلى الإسكندرية، وفي أثناء دراسته هناك ظهرت موهبة التمثيل لديه حتى إنه عندما كان تلميذًا بمدرسة رأس التين الثانوية، حذّره المدرس من الاستمرار في عمله ممثلًا، حيث كانت النظرة إلى الفن محرمة ومن الأمور المعيبة، إلا أنه رفض، وانتهى الأمر إلى فصله من المدرسة، فتقدم إلى مصلحة البريد ليعمل "بوسطجي"، وقبل مُضي ثمانية أيام على تعيينه جاء إلى المصلحة تقرير من المدرسة الثانوية بأن إستيفان يعمل ممثلًا، فقامت المصلحة بطرده. يعترف في لقاء نادر له ببرنامج "كرسي الاعتراف"، مع الإذاعي مراد كامل، يقول إستيفان: "في مدرسة راس التين عوقبت بعقوبة عيش حاف، فعملت حسابي إني هاجوع بباقي الحصص فبعت الفراش يجيبلي علبة سردين كلتها وحطيت العلبة الفاضية تحت التختة، تصادف يوميها زيارة رسمية من سعد باشا زغلول وزير المعارف في ذلك الوقت، ومستر دانلوب المفتش بتاع المعارف، فضل يقرب يقرب يقرب لحد ما جالي آخر تختة ووطى وطلع علبة السردين قالي What is that؟، قلتله It's a box of sardin، قالي Why؟ قلتله I was hungry، And I sent to eat it، قالي إمتى أكلتها، وهنا ارتكبت الجريمة بتاعتي، أنا كنت أكلتها في حصة الرسم بتاعت الراجل الطيب الأستاذ عبد الهادي، لكن أنا بيني وبين مدرس الإنجليزي ما فعل الحداد، فقلتله في حصة الإنجليزي أكلت السردين ده، وُبخ المدرس ونُقل إلى الصعيد، وأنا آسف حتى اليوم على الجريمة بتاعتي، وإن كان سامعني يسامحني". وجد إستيفان نفسه بلا عمل حقيقي، كما أن ما يحصل عليه من التمثيل لا يكفيه هو ووالدته، وبالمصادفة تعرف على راقصة نمساوية في إحدى فرق الباليه كانت على علاقة بوالده، وتمكن من السفر إلى النمسا بمساعدتها، ولكنه لاحظ أن الراقصة وقعت في غرامه، وبدأت تحيطه بشتى أنواع التكريم والرعاية منذ غادرا مصر، فما كان منه إلا أن تظاهر بحبه لها حتى يصل إلى والده، وفور وصول الثنائي إلى النمسا، كانت هناك مفاجأة في انتظاره، فبعد أن التقى والده، الذي رحب به بشدة بعد فراق لأكثر من 20 سنة، فوجئ به يثور ويغضب ويطرده بعد أن اكتشف قصة الغرام التي كانت بينه وبين تلك الراقصة، فقد كان الأب يحبها، ويغار عليها بجنون، وينفق عليها بسخاء، لكنها لم تكن تبادله الحب بسبب فارق السن بينهما، وهذا الموقف الذي تعرض له "روستي" جعله يظل رافضا للزواج حتى جاوز عمره 46 عامًا، حتى وقع في حب فتاة إيطالية تُدعى "ماريانا" بعد أن ظل مضربًا عن الزواج حتى وصل لسن السادسة والأربعين. تنقل بين عدة بلدان أوروبية عقب ذلك، فسافر إلى إيطاليا وكان أخذ معه من مصر بعضا من نباتات التين الشوكي وزرعها في حديقة تخص عائلة والدته، وعمل فترة من شبابه كبائع للتين الشوكي في إيطاليا، وهناك أتاحت له الظروف أن يعمل مترجمًا، ومن خلال عمله التقى كبار النجوم هناك، وكان يتردد على المسرح الإيطالي، وعمل ممثلًا ومساعد مخرج ومستشارًا فنيًا لشؤون وعادات وتقاليد الشرق العربي للشركات السينمائية الإيطالية التي تُنتج أفلامًا عن الشرق والمغرب العربي، وبعد ذلك سافر إستيفان إلى فرنسا وعمل في السينما هناك، ومن باريس سافر إلى فيينا ليشارك في إحدى الروايات المسرحية، ثم إلى ألمانيا، وهناك التقى المخرج محمد كريم والفنان سراج منير الذي هجر الطب ليتفرغ لدراسة الفن، فقرر أن يلتحق بنفس المعهد ليدرس التمثيل دراسة أكاديمية، وعمل كذلك راقصًا في الملاهي الليلية. المشوار الفني الشاب الذي يُجيد الفرنسية والإيطالية بطلاقة عاد إلى مصر في عام 1924، وأمام صعوبات الحياة تزوجت أمه فيما بعد من أحد الإيطاليين، فقرر أن يهجر البيت واتجه إلى العمل المسرحي، حيث طلب مقابلة عزيز عيد ليمنحه فرصة في فرقته، وانضم بعدها إلى فرقة نجيب الريحاني، ثم عمل بعد ذلك فى فرقة يوسف وهبي، وقام بتعريب العديد من الروايات للفرقة حققت نجاحًا كبيرًا. عهدت إليه عزيزة أمير، التي كوّنت أول شركة إنتاج سينمائي باسم "إيزيس فيلم"، بإخراج الفيلم الصامت "ليلى" لما يتمتع به من تجربة في ميدان السينما خارج مصر، وعُرض بسينما متروبول في 16 نوفمبر عام 1927، في حفل حضره طلعت بك حرب وأمير الشعراء أحمد شوقي وحشد كبير من الفنانين والصحفيين، ولاقى الفيلم نجاحًا كبيرًا ليكون أول فيلم روائي مصري مائة بالمائة في إنتاجه وتأليفه (الصحفي أحمد جلال)، وإخراجه وتمثيله. أخرج إستيفان عدة أفلام عقب ذلك، ومنها "صاحب السعادة كشكش بيه، عنتر أفندي، الورشة، ابن البلد، أحلاهم، جمال ودلال"، وقام بتأليف عدد من الأفلام، ومنها "البحر بيضحك، قاطع طريق، لن أعترف، وابن ذوات"، وقدّم طوال مشواره الفني نحو 380 فيلمًا سينمائيًا من تمثيل وإخراج وتأليف، ومن أهمها: "الستات مايعرفوش يكدبوا، كدبة أبريل، حلاق السيدات، المجانين في نعيم"، ومزج بين أدوار الشر والكوميديا وبها بات ألمع وأظرف أشرار السينما المصرية، واشتُهر بلقب "الشرير الضاحك". ساهم في نجوميته إيفيهاته التي اشتُهر بها، ومنها "نشنت يا فالح، والنبي صعبان عليّا، مرحب يا دنجل، الكونياك مشروب الفتاة المهذبة، في صحة المفاجآت، اشتغل يا حبيبي اشتغل، طب عن إذنك اتحزم وأجي، حد حايشك يا أخويا ما ترقص، أبوس القدم وأبدي الندم على غلطتي في حق الغنم"، وشارك جميع الفنانين في تلك الفترة ومنهم أنور وجدي وليلى مراد ونجيب الريحاني وأم كلثوم وحسين رياض وحسن فايق وميمي شكيب وعبد السلام النابلسي، وغيرهم. الرحيل في عام 1964 انطلقت شائعة وفاة إستيفان روستي، بينما كان يزور أحد أقاربه في الإسكندرية، وأقامت نقابة الممثلين حفل تأبين، ليُفاجأ الجميع به يدخل العزاء ليسيطر الذعر على الحاضرين وانطلقت ماري منيب ونجوى سالم وسعاد حسين في إطلاق الزغاريد فرحًا بوجوده على قيد الحياة، إلا أن هذا العام لم يمض إلا برحيله، بعدما اشترك بالتمثيل في ثلاثة أفلام هي "الحقيبة السوداء، آخر شقاوة، وحكاية نص الليل" الذي عُرض بعد وفاته في 12 مايو من نفس العام، ورحل تاركًا لزوجته 7 جنيهات وشيكا بقيمة 150 جنيها من فيلمه الأخير وسيارة تعرضت للسرقة، حتى إنه بعد وفاته بعث الفنان إسماعيل يس برسالة إلى مجلة "الكواكب" مطالبًا بالتدخل من أجل مساعدة أرملته التي لم يكن لديها أي مصدر للدخل، خاصةً أنه لم يشأ الله أن يرزقهما بأطفال بعد وفاة توأميهما رضيعين، لتنقلها نقابة الممثلين إلى عائلتها في إيطاليا.