في إطار احتفال معهد جوته بمرور 60 عاما على وجوده فى مصر، ينظم المعهد فى الساعة السابعة والنصف من مساء اليوم الخميس، فى مقر المعهد بالدقى، حلقة نقاش بعنوان: "الممارسات الثقافية والحوار في عالم متعدد الأقطاب"، تبدأ بمحاضرة ل"كلاوس ديتر ليهمان"، رئيس معهد جوته بمدينة ميونخ، عنوانها: "نقاط التركيز الجديدة في عمل معاهد جوته"، ويشارك فيها كل من: أماندا أبي خليل، منسقة حرة ومؤسسة منصة "الفن المؤقت" ومعيدة في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة وجامعة سان جوزيف ببيروت- لبنان، وأحمد العطار، مدير فني لمهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة (دي- كاف) ومؤسس ومدير أورينت برودكشن وتامبل انديبنت واستوديو عماد الدين- القاهرة، وجايمس موريوكي، فنان حر ومنسق فني، نيروبي- عاصمة كينيا، ويدير الحوار: د. الكه كاشل موني، مديرة معهد جوته القاهرة والمديرة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وحلقة النقاش باللغة الإنجليزية، مع ترجمة فورية للغة العربية. وفى التعريف بموضوع الحلقة النقاشية، نطالع من الدعوة لحضورها: "القدرة المتزايدة على الحركة التي أصبح يتمتع بها العاملون في مجال الثقافة ومنتجاتها اليوم تحمل وعدًا: هذه القدرة على الحركة -أكانت طواعية أو اضطرارية، عملية أو رقمية- تشعل الأمل فى مقابلات جديدة وأنواع جديدة من التفاعل وأشكال جديدة للإنتاج الثقافي التي بكسرها للمعتاد وللحظات الارتباك والاحتكاك تتقدم بالإبداع وروح الاختراع والرؤى الجديدة. مع ذلك فالحدود، سواء بين الدول أو بداخلها، لم تفقد أهميتها". تراتبية السلطة القديمة تؤثر على إتاحة المعرفة وإنتاجها وتحدد بطرق عديدة وبشكل مستمر إطارا للحوار والممارسة الثقافية العابرة. مع هذا الوضع وبالنظر كذلك إلى عمل دام 60 سنة من أجل التبادل الثقافي في مصر يدعو معهد جوته القاهرة أربع شخصيات بارزة للحوار عن العمل الثقافي اليوم، والشكل الذي يجب أن يكون عليه حتى يثمر الوعد الإبداعي الكامن في الجغرافيات الثقافية العابرة للحوار الثقافي المتعدد الأطراف. احتفالية مرور 60 عاما على وجود معهد جوته فى مصر تتضمن؛ بالإضافة إلى الحلقة النقاشية، وحسبما جاء فى الدعوة "حفل متنوع في حديقة، وقاعات، المبنى الجديد للمعهد -افتتح عام 2016- في ميدان المساحة بحى الدقي، يبدأ من الساعة الثالثة عصرا؛ ب عروض موسيقية وعروض راقصة مفعمة بالحيوية لفنانين مصريين وألمان معروفين"، وتعريف باللغة الألمانية بأسلوب مرح من خلال شركاء لتحدث اللغة، وتعريف بمكتبة المعهد الحديثة، إلى جانب فقرات أخرى. ومعهد جوته هو المعهد الثقافى الذى أنشأته حكومة جمهورية ألمانيا الاتحادية فى عام 1951، حاملا اسم أديب ألمانيا الأشهر يوهان فولفجانج فون جوته (1749 - 1832)؛ كتخليد لذكراه، وكان من بين مهام المعهد الأولى تدريس اللغة الألمانيّة لغير الناطقين بها. وإذ كانت البداية قد ارتبطت بظروف تقسيم ألمانيا إلى دولتين: ألمانيا الاتحادية، وألمانيا الديمقراطية، كنتيجة لهزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، فإن المعهد الذى أنشأ بعد عامين فقط من إعلان تشكيل جمهورية ألمانيا الاتحادية، قد عزز من حضورها على المستوى الثقافى الدولى، حضور زادت أهميته عقب توحيد ألمانيا فى عام 1990. بعد الوحدة تعززت مكانة المعهد باعتباره معهدا ثقافيا تابعا للحكومة الألمانية له مقرات وأنشطة فى أكثر من 90 دولة، يدعم من خلالها تعلم اللغة الألمانية في خارج البلاد الناطقة بها، بالإضافة إلى دعم التعاون الثقافي الدولي. وقبل ستين عامًا بدأ نشاط معهد جوته فى مصر بافتتاح أولى دورات تعليم اللغة الألمانية في شارع البستان بوسط القاهرة، وبمرور السنوات تطور نشاط المعهد ليتجاوز تعليم اللغة -وإن ظل هو دوره الرئيسى- وليتسع لأنشطة ثقافية وفنية متنوعة، وبتطوره هذا أصبح مقر المعهد فى القاهرة والإسكندرية واحدًا من أكبر مقار معهد جوته على مستوى العالم، من حيث المترددين عليه، ومن حيث تنوع أنشطته، وللمعهد حضور لافت فى عدد من البلدان العربية. وقد يكون اسم جوته ذا وقع خاص بالنسبة للناطقين بالعربية؛ فهو بالإضافة إلى مكانته الكبيرة التى حظى بها نتيجة إرثه الأدبي والثقافي الضخم الذى أثرى الثقافة الألمانية بالعديد من الروائع الشعرية والمسرحية والروائية والفلسفية التى أضحت تراثا إنسانيا عاما، فقد تميز عن سواه من الأدباء الألمان بشغف واسع بالثقافة والأدب العربى- الإسلامى. ومما اشتهر عنه فى هذا المجال ما قاله في وصفه اللغة العربية: "ربما لم يحدث في أي لغة هذا القدر من الانسجام بين الروح والكلمة والخط مثلما حدث في اللغة العربية، وإنه تناسق غريب في ظل جسد واحد"، وقد عكف جوته على دراسة الشريعة الإسلامية دراسة متعمقة، واطلع على الأشعار والملاحم العربية، وقد رصد بعض النقاد ملامح تأثره بعدد من الشعراء العرب الكبار، مثل المتنبي، حيث يتتبعون صدى أشعاره فى مسرحية جوته الخالدة "فاوست"، كما تأثر بأبي تمام، والمعلقات السبع فقام بترجمة عدد منها إلى اللغة الألمانية عام 1783 بمساعدة معلمه هيردر -يوهان جوتفريد هردر (1744- 1803)، كاتب وشاعر وفيلسوف وناقد ولاهوتي ألماني- وبصورة إجمالية يمكن القول إنه كان للأشعار والمفردات العربية تأثير بالغ على أشعار وأدب جوته. لكن التأثير الأكبر الذى ظهر بقوة ووضوح كان للثقافة الفارسية- الإسلامية، كما بدت ظاهرة واضحة وصريحة فى الكتاب الذى يغوص فيه جوته في "روح الشرق"، ذلك هو السِّفْر الخالد الذي جعل عنوانه "الديوان الغربي الشرقي"، فعلى مدى صفحاته التي تقارب الخمسمئة صفحة، تبدى ولعه بالشرق والإسلام، الذى بذرت جذوره فى صباه الباكر وسقاه منحاه الرومانطيقي ليثمر فى نضجه اهتماما متزايدا بالشرق، ثم بالإسلام، باكرا، وكما يخبرنا الدكتور عبد الرحمن بدوى -فى تقديم ترجمته لديوان جوته الذى فضل أن يترجم عنوانه "الديوان الشرقى للشاعر الغربى"- فإن جوته قرأ عدة ترجمات للقرآن، أولاها كان فى سنة 1781، ثم راح يجمع المعلومات لكتابة مسرحيته عن النبى «محمد»، وانكب حينذاك على دراسة اللغة العربية، أسوة بالعبرية والفارسية. لكنه لئن كان قد فشل في إتقان العربية، فإنه عوّض على ذلك من خلال تعمّقه في قراءة كل ما ترجم من آداب عربية وفارسية، ولا سيما «المعلّقات» التي قلدها ذات مرة، وأيضا قصائد الشنفرى، التي سنجد صدى لها في واحدة من أجمل قصائد «الديوان الغربي - الشرقي»، لكن عندما ترجم المستشرق جوزيف هامر ديوان «حافظ الشيرازي»، وجد جوته ضالته فيه، وأحس مع كلماته بإشراق ما بعده إشراق، فكتب في يومياته كلمتين فقط: «حافظ، ديوان» ولكن بأحرف كبيرة تنم عن حماسته، كما يخبرنا إبراهيم العريس فى مقال له عنوانه: "«الديوان الغربي - الشرقي» لجوته: سيرة الشاعر من خلال ولعه بالدين الإسلامي".