«أين ديمقراطية فرنسا في التعامل مع الأنظمة المستبدة مثل نظام القذافي السابق؟».. سؤال تردد كثيرًا في الأوساط الإعلامية والسياسية في ظل الاتهامات التي طالت الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، بتلقي أموال من النظام الليبي لدعم حملته، لكن ومع انتهاء التحقيقات تم توجيه الاتهام رسميا للأخير بالفساد واستغلال النفوذ. وسيمثل الرئيس السابق، ساركوزي، أمام المحكمة الجزائية في باريس، في اتهامات بفساد واستغلال نفوذ خلال حملته الانتخابية عام 2007، حيث يواجه تحقيقات متعددة في مزاعم فساد منذ انتهاء عهده عام 2012، إضافة إلى توجيه اتهامات أولية الأسبوع الماضي بتلقيه تمويلا غير قانوني لحملته الانتخابية، من العقيد الليبي معمر القذافي. صحيفة "لوموند" الفرنسية، كشفت في تحقيق لها عن مسؤول قضائي، قوله: إن "الرئيس السابق تلقى أمرًا بالمثول أمام المحكمة، في اتهامات بمحاولته الحصول، في شكل غير قانوني، على معلومات من قاضٍ، في شأن تحقيق آخر يتعلّق بساركوزي نفسه". وسيلاحق ساركوزي بتهمة فساد وسوء استخدام النفوذ، عندما كان رئيسًا للجمهورية، لمحاولته الحصول من القاضي جيلبير آزيبير على معلومات سرية في شأن الملفات القضائية التي تطاوله، في مقابل وعدٍ بمنح القاضي عملًا مرموقًا في موناكو، حسب الصحيفة. اقرأ أيضًا: انتخابات ليبيا.. صراع بين الفرقاء و«القذافي» يعود للمشهد يأتي هذا الملف، المعروف ب"قضية التنصت"، بعدما استخدم محققون أجهزة تنصّت على الهواتف، لفحص مزاعم منفصلة بتمويل القذافي حملة ساركوزي، واشتبهوا في اطلاعه، من خلال شبكة مخبرين، على تفاصيل ملف منفصل طاول اتهام مالكة مجموعة لوريال العملاقة أنجريد بيتانكور التي توفيت أخيرًا، بتمويل غير شرعي لحملة الرئيس السابق، لكنها بُرئت من التهمة. فيما أُحيل أيضًا على المحكمة، في إطار الملف ذاته الذي يعود إلى العام 2014، المحامي تييري هرتزوج، وآزيبير، لاتهامهما بفساد وسوء استخدام منصبيهما، وفقًا ل"لوموند". كان القضاء الفرنسي قد قرر التنصّت على هواتف ساركوزي ووزير الداخلية السابق بريس هورتفو، وهو أقرب أصدقائه، والمدير السابق لمكتبه كلود غيان، في إطار التحقيقات حول التمويل الليبي المحتمل. اقرأ أيضًا: أحمد قذاف الدم يعترف: ليبيا دعمت ساركوزي وأظهر ذلك للمحققين أن القاضي آزيبير تجاوب مع طلب ساركوزي، وحجب مدونات عائدة له عن المحققين، في إطار قضية بيتانكور، وأن هرتزوج أدى دورًا نشطًا في هذا الصدد. ووفقًا للصحيفة الفرنسية، فإن ساركوزي كان يخشى آنذاك تنصتًا على اتصالاته، فاختار لنفسه اسمًا مستعارًا للتحدث في شأن هذه الملفات، هو بول بيزموت. واعتبر الرئيس السابق وهرتزوج أن التنصت عليهما يشكّل انتهاكًا لسرية العلاقة بين محام وموكله، وهذه المرة الثانية التي يُحال فيها ساركوزي إلى المحاكمة، إذ إن قاضيًا أمر العام الماضي بمحاكمته و13 آخرين، اتهموا بتمويل غير قانوني لحملته الرئاسية عام 2012. تفاصيل القضية البداية مع رجل أعمال لبناني يُدعى زياد تقي الدين، حيث فجر تلك القضية، حينما كشف منذ نحو 3 أعوام عن رشوة الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي من جانب دولة قطر، ودفعت له نحو 300 مليون دولار، وأن الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي وقتها مول حملته الانتخابية في العام 2007 لخوض منافسات الرئاسة الفرنسية، وفقًا ل"فرانس 24". وأكد "تقي الدين" حينئذ أن وزير الداخلية السابق كلود جيان مُتهم هو الآخر في ذات القضية، إلا أنه لم يتم تصديق رواية رجل الأعمال، فيما قلل آخرون من أهميتها، بل وقامت الشرطة الفرنسية بتفتيش منزله في العاصمة باريس، خاصة أن القضاء الفرنسي قد اتهمه من قبل ذلك بعامين باستغلال الأموال العامة وبالشهادة الزور، وأضيفت له تهمة غسل الأموال في عام 2012، حسب القناة. ورغم الاتهامات التي طالت "تقي الدين"، فإنه عاد مجددًا للكشف عن تفاصيل جديدة في قضية تلقي ساركوزي لتمويلات من القذافي، وعززها بلقاء له مع موقع "ميديا بارت" وهو موقع متخصص في الصحافة الاستقصائية. وخلال المقابلة، قال: إنه "قام ب3 زيارات ما بين العاصمة الليبية طرابلس والفرنسية باريس في أواخر عام 2006 وحتى أوائل العام التالي، وأنه سلم خلال تلك الزيارات حقائب مليئة بالأموال، وكانت تحتوي ما بين 1٫5- 2 مليون يورو في كل مرة، وكان يتسلم تلك الحقائب من عبد الله السنوسي رئيس المخابرات الليبية في ذلك الوقت، ويسلمها بدوره لساركوزي شخصيا أو لمدير مكتبه "كلود جيان" وقتها، حسب موقع "ميديا بارت". يمكن الربط بين قصة تقي الدين، وتقرير منظمة "هيومان رايتس ووتش" حينها، حينما أكدت وجود أدلة باعتقال القذافي وهو مصاب من جانب ثوار مصراتة الذين قتلوه بعد ذلك. أما صحيفة "لاكوريري دي لاسيرا" الإيطالية فقالت إن القذافي لقي مصرعه على يد جاسوس أرسله ساركوزي الرئيس الفرنسي وقتها. فيما عززت صحيفة ديلي تليجراف البريطانية، تلك الرواية أيضًا، مشيرة إلى أن أجهزة المخابرات الفرنسية كان لها دور في مقتل القذافي، وأنها أسهمت في تحديد موقعه وقصفه وتصفيته نهائيًا بعد ذلك. وأخيرًا، تأكيد رئيس المرصد الليبي لحقوق الإنسان ناصر الهواري، بأن ساركوزي كان أول المرحبين بقصف قوات حلف شمال الأطلنطي "الناتو" لليبيا في 19 مارس عام 2011، وأن المبادرة الفرنسية في ذلك قبل باقي دول الحلف، كانت بسبب رغبة ساركوزي في تغطية فضيحة تمويله عبر سنوات من القذافي وبالذات خلال حملته الانتخابية عام 2006.