انطلاق امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني ب جامعة شرق بورسعيد    وزيرة البيئة تستعرض رحلة مصر في تمويل المناخ واجراءات تهيئة المناخ الداعم    إسرائيل هيوم: الوفد الإسرائيلي سيعود من الدوحة إلى إسرائيل اليوم بسبب "الجمود" في مفاوضات غزة    أونروا: إسرائيل تمنع المتطوعين من دخول قطاع غزة    «متعطش لمواجهة ميسي».. حسين الشحات يتحدث عن كأس العالم للأندية 2025    «جاب الفلوس منين».. شوبير يعلق على رفع القيد عن الزمالك    عبر السوشيال ميديا.. القبض على مدرب كرة متهم بالتحرش بالفتيات بمصر الجديدة    الحبس 3 سنوات لعاطلين في سرقة مشغولات ذهبية من شقة بمصر الجديدة    طقس الثلاثاء 20 مايو 2025.. ارتفاع كبير في درجات الحرارة ونشاط للرياح يهدد الملاحة بخليج السويس    نقابة الفنانين السورية تنعي بطلة «باب الحارة»    حزب الجبهة الوطنية يعلن تشكيل أمانة الذكاء الاصطناعي    مستوطنون يقتحمون باحات المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي    «الوطني الفلسطيني» يرحب ببيان بريطانيا وفرنسا وكندا لوقف العدوان على غزة    الجيش السوداني يبسط سيطرته على منطقة "أم لبانة" فى ولاية غرب كردفان    واشنطن بوست: إصابة بايدن بالسرطان أثارت تعاطفاً وتساؤلات ونظريات مؤامرة    كييف تعلن إسقاط 35 من أصل 108 طائرات مسيرة روسية خلال الليل    برواتب تصل ل15 ألف جنيه.. فرص عمل جديدة تطلب 5 تخصصات بشروط بسيطة    رسميًا.. موعد حجز «سكن لكل المصريين 7» والمستندات المطلوبة للحجز (تفاصيل)    قبل نهاية الموسم.. ماذا يحتاج محمد صلاح ليتوج بالحذاء الذهبي 2025؟    الأهلي يواجه الزمالك في مباراة فاصلة لحسم المتأهل لنهائي دوري سوبر السلة    مشوار الأهلى والزمالك فى الكؤوس الأفريقية لليد قبل مواجهات ربع النهائى    خبر في الجول – جلسة بين الزمالك والسعيد لحسم التفاصيل المالية لتجديد عقده    خبير: مشروع الصوب الزراعية في الفيوم طفرة إنتاجية تعادل 10 أضعاف الفدان التقليدي    بحضور مدبولي.. رئيس سوميتومو العالمية: نحتفل بفخر بإنشاء أحدث مصانعنا المتطورة    رفع 100 طن من القمامة والمخلفات ب 5 قرى بمركز سوهاج    الأمن يلقى القبض على المتهم بذبح والده المسن بأسوان    خلاف على أجرة إصلاح موتوسيكل.. عامل يطعن صاحب ورشة في سوهاج    جامعة أسيوط تعقد لجنة لاختيار عميد كلية التربية الرياضية    القومي للترجمة يصدر الطبعة العربية من كتاب "أوراق منثورة"    «مش بحب المرض».. صبري عبدالمنعم يكشف موقفا قاسيا لأحد المخرجين معه    دينزل واشنطن يوبخ مصورا قبل حصوله على السعفة الذهبية الفخرية في مهرجان كان    الخميس.. فرقة الصحبجية تغني في قصر الأمير بشتاك    نيللي كريم تخطف الأنظار في أحدث جلسة تصوير لها    «الرعاية الصحية» تؤكد ريادتها في الاستدامة بمشاركتها في المعرض العربي    عاجل- الصحة العالمية تُعلن خلو مصر من انتقال جميع طفيليات الملاريا البشرية    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الثلاثاء    جامعة جنوب الوادي تدعو طلابها للمشاركة في "مسرح الحياة" لتعزيز الدمج المجتمعي    وزير الري يبحث إضافة مواقع سياحية جديدة لمنظومة السد العالي -صور    بعد تداول فيديو.. ضبط قائد سيارة حاول الاصطدام بسيدة على محور 30 يونيو    جميع المواد.. النماذج التجريبية للثانوية الأزهرية 2025    الصحة: إغلاق عيادة للتجميل وتركيب الشعر الصناعي بالعجوزة للعمل دون ترخيص ويديرها منتحل صفة طبيب    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    لعلاج النحافة المزعجة.. 7 أطعمة لزيادة الوزن بشكل صحي وآمن    نتنياهو: أدين بشدة تصريحات يائير جولان ضد إسرائيل وجيشها    غزل المحلة يتواصل مع محمد رمضان لشغل منصب المدير الرياضي    في ذكرى وفاتها.. ميمي شكيب أيقونة الشر الناعم وسيدة الأدوار المركبة التي أنهت حياتها نهاية غامضة    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    الأهلي ضد الزمالك.. الموعد والقناة الناقلة لقمة كرة السلة    البنك المركزي الأسترالي يخفض سعر الفائدة لأدنى مستوى في عامين    "تأهيل خريج الجامعة لمواجهة تحديات الحياة الأسرية".. ندوة بجامعة حلوان    طريقة عمل الفراخ البانيه، بقرمشة لا مثيل لها    وزير الصحة يبحث مع نظيرته السلوفينية التعاون فى العديد من المجالات الطبية    ياسمين صبري تكشف كواليس تعاونها مع كريم عبدالعزيز ب«المشروع X»    «أكبر خطيئة وتستلزم الاستغفار».. سعد الهلالي عن وصف القرآن ب الدستور    ماذا تفعل المرأة في حال حدوث عذر شرعي أثناء أداء مناسك الحج؟    فضل حج بيت الله الحرام وما هو الحج المبرور؟.. الأزهر للفتوى يوضح    الإفتاء: لا يجوز ترك الصلاة تحت اي ظرف    «ليست النسخة النهائية».. أول تعليق من «الأعلى للإعلام» على إعلان الأهلي (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«بعد أن مات أنكيدو.. لم تعد الحياة لي».. قراءة في ملحمة جلجامش (1-2)
نشر في التحرير يوم 28 - 03 - 2018

تعد "ملحمة جلجامش"، والتي كتبت في العهد البابلي القديم (2750- 2350) ق . م؛ من أهم وأقدم الأساطير الشعرية، التي يتضح فيها مفهوم "الفرد" وحدوده وبطولاته وألمه الشخصي، متمثلا في شخصية الملك السومري "جلجامش"، وسعيه الحثيث وأسفاره الطويلة للوصول إلى سر الحياة الخالدة، بعد أن فقد أعز صديق له "أنكيدو"، الذي يتعدى كونه صديقا له، بل يشكل النصف الآخر من وجوده، وبفقده شعر أن الحياة سلبت منه أعز شيء لديه، فذهب يبحث عن سر الخلود، ومحاولة استرداد صديقه من العالم الآخر. تمثل الملحمة التى ظهرت قبل 4000 سنة تقريبا الصراع الأزلي بين الموت والزوال، وبين إرادة الإنسان التي تحاول التمسك بالوجود والبقاء. هذه الإرادة هى بداية ظهور مفهوم الفردية، الذي تلاه ظهور مفهومي البطولة والبطل.
***
عنوان المقال "بعد أن مات أنكيدو .. لم تعد الحياة لي"، عبارة عن البيتين اللذين تعرفت بهما على الملحمة، ومن بعدها بدأت في قراءتها في بداية التسعينيات. صادفت هذين البيتين الشعريين مكتوبين تحت صورة لرسمة، بالأبيض والأسود، لفتت نظري بقوة، في مجلة "اليوم السابع" التى كانت تصدر من باريس، وإحدى أهم المجلات الثقافية في عقد التسعينيات الفارغ. الرسمة عبارة عن زهرتين سوداوين وفي المنتصف مابينهما هناك عدة مثلثات متداخلة بخطوط سوداء حرة غير منتظمة، وعلى مقربة هناك جسد ملقى أو مايشبه هذا. أعجبتني الرسمة وبحثت عن الملحمة، وفسرت رمز الزهرتين السوداوين بأنهما تعبير عن حداد الملك جلجامش على موت صديقه وخله "أنكيدو".
ظللت أردد هذين البيتين على نفسي، في أوقات عدة، كلما فقدت شيئا كبيرا في حياتي، أو للتعبير عن عمق ألم قادم لن أجد أقوى من هذين البيتين للتعبير عنه.
***
العلاقة العميقة بين جلجامش وأنكيدو تعتبر نوعا فريدا من التآخي الروحي والجسدي، أو شيئا قريبا من مثلية روحية، إن صح التعبير، في غاية العمق، تصل أحيانا لتصور أن الاثنين كانا من قبل ذاتا واحدة انقسمت، ثم بدأ كل جزء يبحث عن آخَره، ويتألم لألمه كأنه هو، ولا صحة لهذا الجزء إلا في عودة هذا الجزء الغائب، لهذه الذات المشروخة، حتى ولو كان الموت هو الذي غيبه في العالم الآخر.
***
مثلية تتعدي الانجذاب الجسدي أو الروحي، لنوع آخر كوني، كأن الكون نشأ، حكائيا، في بداياته -على مثل هذه الوحدة/ الانقسام بين الأشياء: الليل والنهار، الرجل والمرأة. كل هذه الثنائيات كانت من قبل شيئا واحدا، ثم انقسمت. لذا يحمل كل جزء لآخَره شبقا عارما وجارحا، ويبغي منه مطلبا أساسيا وهو ضرورة العودة، بالبحث عن هذا المثيل حتى ولو كان في ديار الموت، كما حدث مع جلجامش في بحثه عن إنكيدو في العالم السفلي بعد موته.
رغبة في وحدة أصيلة، جاء الموت ومن بعده التقدم والحضارة وقسَّمها. وحدة نائمة في باطن الكون المظلم ثم جاء من يخرجها للنور، وكانت ضريبة هذا الخروج للنور هو الرضا التام بالانقسام الذي هو إحدى علامات الموت، وهو أيضا أولى خطوات التقدم والجدل وخروج وحدات أخرى من الوحدة الأولى، لتستمر الحياة. الموت، في ملحمة جلجامش، أولى خطوات التقدم بفناء الوحدة وانقسامها وتفتتها. داخل هذا الفناء تكمن البطولة.
***
تصف الأسطورة جلجامش كالتالي:
"بعد أن خلق جلجامش، وأحسن الإله العظيم خلقه/ حباه (شمش السماوي وخصه) بالبطولة/ جعل الآلهة العظام صورة جلجامش تامة كاملة/ كان طوله أحد عشر ذراعا وعرض صدره تسعة أشبار/ ثلثان منه إله، وثلثه الباقي بشر/ وهيئة جسمه لا نظير لها/ وفتك سلاحه لا يصده شيء/ وعلى ضربات الطبل تستيقظ رعيته".
كان جلجامش هو الراعي لمينة "أوروك" -لاحظ أن البطولة، وحكايتها، ظهرت هنا مع ظهور المدينة- ولكنه كان يتسم ببعض الظلم "لم يترك ابنا لأبيه/ ولم تنقطع مظالمه عن الناس ليل نهار/ (....) ولم يترك عذراء لحبيبها ولا ابنة المقاتل ولا خطيبة البطل".
بسبب هذه المظالم اشتكاه الناس للآلهة، فاستمعت الآلهة لشكواهم. كان جلجامش مثل نموذج الديكتاتور النبيل، أو الديكتاتور العادل. يتسم بتلك الفحولة الفطرية التي تتجاوز الحدود والحقوق ومبادئ العدل، ففي ذلك الوقت الأسطوري لم تكن الآلهة ترسي العدل، أو كان للعدل مفهوم آخر، بل كان هم الألهة استعراض القوة بكل أنواعها وليس الزهد فيها. وربما حضارة بين الرافدين خير دليل على هذا الاستعراض والصراع بعكس الحضارة المصرية القديمة.
***
جلجامش ليس شريرا، ثلثاه إلهي والثلث الباقي إنساني، وإنما يمتلك نوعا بدائيا من القوة المفرطة التى ترتبط بالبطش والغريزة والنزوات قبل أن تكون تلك القوة مرتبطة بالعدالة وإرساء العدل.
عندها تفكر الآلهة أن تقتص منه، بخلق غريم أو ند له، في قوة القلب والعزم، ليصارعه. من خلال هذا الغريم المكافئ والند تحتفظ الحياة بالتوازن. وكان هذا الغريم هو صديقه وخله الوفي ومصدر حزنه المستقبلي: أنكيدو.
هذا التعادل في موازين القوة سيجلب السلام على المدينة كما كانت تراه الآلهة. ولكن يحدث شيء آخر، في حساب ميزان القوة، وهو الحب، الذى يغير من الثنائية ليعيدها إلى الوحدة مرة أخرى. ينجذب جلجامش لغريمه بقوة الصداقة. فالصداقة والحب هنا، ليسا نتاجا للعدالة والتوازن في القوى، بل عبرهما ستتحقق العدالة. إنهما، الحب والصداقة، مادة تسحب الوجود لمكان داخلي، أسبق في وجوده من أى شيء، أو أي عدالة. إنه الساحة الخلفية من الذات الذي يتحقق بوجود الغريم.
ربما كان "أنكيدو" يمثل، كما تقسم نظريات علم النفس ذات الرجل؛ الجزء الأنثوي القوي من هذه الذات. "خلقت في البرية أنكيدو الصنديد/ يكسو جسمه الشعر، وشعر رأسه كشعر المرأة. هذا الجزء البري، بعكس الجزء الذكوري عند جلجامش الذي ينتمي للمدينة.
سينشأ التجاذب بين جلجامش وأنثاه الضائعة المتمثلة في أنكيدو. من قبل كان أنكيدو متآلفا مع الحيوانات والطبيعة، وهو الجزء الخام والفطري من الوجود "إنه يجوب السهوب والتلال ويأكل العشب/ ويرعى الكلأ مع حيوان البر ويسقى معها عند مورد الماء"، بعكس جلجامش الذي يمثل الجزء المتحضر المديني.
***
لكي تسحب الآلهة أنكيدو وتخرجه من جنته في البرية تبعث له بأضحية عبارة عن سيدة بغي، تكشف له عن صدرها، وتعلمه فن المرأة، ليخرج من بريته، مصدر قوته. شيء شبيه بقصة شهريار الذى يتم التعامل مع الجزء الغريزي فيه عبر تأديب الجزء الأنثوي، المتمثل في شهر زاد، له.
بالفعل يتعلق أنكيدو بالمرأة البغي ويقضي منها وطرا لمدة سبع ليال. ولكنه بهذا فقد قوته، فترك البرية والطبيعة وأصبح يعيش في المدينة وحضارتها حيث ينتمي ويعيش جلجامش الذي تصفه الأسطورة "المتسلط على الناس كالثور الوحشي". سمع أنكيدو كلام البغي وتحريضها له على جلجامش لأنه "كان ينشد صاحبا يفهم قلبه". يذهب معها لملاقاة جلجامش ليصرعه، ويخلص المدينة من ظلمه، وهى الرغبة الخارجية، ولكن أيضا ليتخذه صديقا ويتحد بجزئه الغائب وربما هي الرغبة الداخلية.
***
في الوقت نفسه يحلم به جلجامش. ويتمنى أن يكون له صاحب "عسى أن يتحقق هذا الفأل العظيم فيكون لي صاحب". يتحدث جلجامش في الأسطورة متمنيا أن تكون رؤياه صحيحة.
في تلك الأزمنة القديمة كانت فكرة الصداقة والحب مركبة، وربما مستحيلة، فهي التى ستجمع الضدين معا، ستعيد ظاهريا الوحدة التى انفطرت بالانقسام، والذي هو أحد أسباب الخلق والحياة.
الاثنان، جلجامش وأنكيدو، يتمتعان بالكمال الجغرافي، كلٌ في حيزه الخاص: المدينة والبرية معا، وأيضا يمثلان الجزء الذكورى والأنثوي داخل الرجل. ربما تكون هذه الفكرة هي بداية مفهوم الذكورة الذي ارتبط بالآلهة القديمة -كانت الآلهة تتحدث بلسان الرجل غالبا- وتصورها للكمال هنا جاء كأحد نواتج الرجل وليس المرأة. الصراع جاء أيضا من هذه النقطة، لأن الثنائية بدأت من الرجل، وليس المرأة. فهذه الأساطير القديمة ربما أسست لتصورات جاءت بعد ذلك في الأديان، فآدم عليه السلام كان يحمل المرأة كجزء كامن بين ضلوعه.
***
عندما رأى أهل مدينة "أوروك" أنكيدو فرحوا وقالوا "لقد ظهر لجلجامش، الشبيه بالإله، نظيره ومثيله" وبدأ الصراع الظاهري بين الغريمين في سوق المدينة، ولكن سرعان ماسيكتشف الغريمان عبث هذ الصراع عندما يكتشفان تعادل قوتيهما، فلا غالب ولا مغلوب، وإنما تساوٍ وتماثل في القوة: "وحينما ثنى جلجامش ركبته وقدمه ثابتة في الأرض (ليرفع أنكيدو)/ هدأت سورة غضبه واستدار ليمضي". مضى جلجامش وهو يعرف تماما عبث هذا الصراع.
تقول الأسطورة "انتهت المصارعة بين البطلين بأن انعقدت أواصر الصداقة ما بينهما وصارا خلين حميمين يلازم أحدهما بالآخر، وشرعا بالقيام بسفر طويل في مغامرة إلى غابة الأرز المسحورة التى يحرسها العفريت خمبايا".
تبدأ صفحة صداقتهما القصيرة والعميقة، في آن، بالأعمال البطولية الخارقة، وهي جوهر وجودهما: البطولة والأعمال الجليلة التي ستوحد فيما بينهما أكثر، وستمنح صداقتهما رابطا قويا. وهناك سبب لدخول السفر فيما بينها بناء على اقتراح جلجامش، فقد "أراد أن يرفه عن صديقه أنكيدو الذى يبدو أنه سئم حياة الحضارة وحن إلى حياته الأولى في البراري والقفار". فقد "ملأ الأسى قلب أنكيدو واغرورقت عيناه بالدموع/ وأطلق الحسرات والآهات/ فالتفت إليه جلجامش وكلمه قائلا: لماذا اغرورقت عيناك بالدموع وملأ الأسى قلبك وصرت تصعد الزفرات؟". "فتح أنكيدو فاه وقال لجلجام: ياصديقي أشعر أن الخوف قد شل جوارحي/ لقد خارت قواي، وفقد ساعداي القوة".
عندها يقترح جلجامش على أنكيدو أن يقوما بمغامرة في الغابة حيث يسكن العفريت "خمبايا" الرهيب ليقتلاه ويزيلا الشر من على وجه الأرض، فالتسرية عن النفس تتم بالأعمال الكبيرة التى من ضمنها قتل الشر، وهي أولى خطوات تحقيق العدالة. تصير صداقتهما، وحبهما، متحضرا وله غاية إنسانية جماعية واجتماعية، وهي إزالة الشر، وليس فقط تجاذب قطبي الوجود. هنا يدخل المجتمع والحق بين الذات ونفسها بعد انقسامها بعد وحدتها.
***
أكمل في مقال الأسبوع القادم رحلة السفر وموت أنكيدو ورغبة جلجامش في استعادته من العالم الآخر وبحثه عن سر الخلود، وسؤاله الوجودي الذى مازال يتردد حتى الآن: لماذا نحيا؟
• أبيات الأسطورة الموضوعة في المقال بين مزدوجتين مأخوذة من ترجمة د طه باقر لملحمة جلجامش.
• الموسوعة الحرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.