القاهرة: يأتي علي رأس قائمة مبيعات مكتبة دار "المدي" في فرعها الجديد بوسط القاهرة كتاب "ملحمة جلجامش" ترجمة طه باقر. ملحمة جلجامش هي أطول نص أدبي وصل من ثقافة المشرق العربي القديم، وهي نص شعري طويل مكتوب باللغات السومرية والآكادية والبابلية، وموزع على أثني عشر لوحا فخاريا، ويعتقد بعض العلماء أن ثمة ألواح أخرى لازالت مفقودة أو هي أصابها العطب والتلف. تعالج الملحمة قضايا إنسانية مركزية، كمشكلة الموت والخلود، والصراع بين الحياة والموت وقد انتقل أثر الملحمة إلى آداب الأمم القديمة، وشاعت مفاهيمها في أساطير الشعوب المجاورة لحضارة بلاد الرافدين. يثبت طه باقر في مقدمته للملحمة، أن اسم جلجامش ورد في سجل إثبات الملوك السومريين، ويتعذر تحديد تواريخ لحقبة حياة جلجامش، ولكن من المتفق عليه عامة أنها حوالي 2800 قبل الميلاد . وتشير بعض المصادر إلى أن والد جلجامش كان رجل يتمتع بخصال شيطانية، وأنه راهب مهيب من كلاب، التي تشكل جزء من أوروك . وقد ثبت أن المدينة التي حكمها جلجامش ووالده هي مدينة الوركاء وسط العراق . جاء في بداية الملحمة: هو الذي رأى كل شي إلى تخوم الدنيا هو الذي عرف كل شيء وتضلع بكل شيء معا سيد الحكمة الذي بكل شيء تعمق رأى أسرار خافية، وكشف أموار خبيئة وجاءنا بأخبار عن زمان ما قبل الطوفان مضى في سفر طويل، وحل به الضنى والعياء ونقش في لوح من الحجر كل أسفاره. من هو جلجامش؟ كان جلجامش ابناً للإلهة "ننسون" ، وفق المعتقدات القديمة ، حملت به من ملك مدينة "أوروك" المدعو "لوجال بندا"، فجاء ثلثه إنسان وثلثاه إله، حكم مدينة "أوروك" وهو لازال في مقتبل العمر، فطغى وبغى على أهلها حتى ضاقت بهم السبل، فحملوا شكواهم إلى مجمع الآلهة يطلبون منها العون على رد مليكهم إلى جادة الصواب، استمع الآلهة للشكوى وارتأوا خلق ندٍ لجلجامش يعادله قوة ليدخل الاثنان في تنافس دائم يلهي جلجامش عن رعيته، وعهدوا بهذه المهمة إلى الإلهة الخالق "آرورو"، المعروفة في أساطير بلاد الرافدين بأنها خالقة الجنس البشري، فقامت "آرورو" بخلق "إنكيدو". حياة الغابات نشأ إنكيدو مع الغزلان في البراري، يطوف الفلاة مع القطعان كواحد منها، وفي أحد الأيام رآه صياد فتى وهرع إلى أبيه يحدثه بشأنه، فاقترح عليه الأب أن ينقل الخبر إلى ملك البلاد، مضى الصياد فمثل في حضرة الملك وقص عليه خبر الرجل الوحش، فاهتم جلجامش بالأمر ورغب في إحضار ذلك المخلوق الغريب إليه. أمر كاهنة حب من معبد "عشتار" أن تذهب مع الفتى إلى البرية وتحاول استمالة ذلك الرجل ثم تأتي به إليه بعد أن يأمن إليها. بالفعل تلتقي به المرأة وتوقعه في شباكها وتحدثه عن جلجامش، وعن مدينة أوروك وتقنعه بأنه لم يخلق لحياة البراري بل لحياة القصور، فيتوق إنكيدو للقاء جلجامش. تقود المرأة إنكيدو إلى مساكن الرعاة، وهناك تلبسه الثياب وتعلمه أكل الخبز وشرب الخمر وأسلوب الحياة المدنية، وبعد فترة تنطلق به إلى أوروك. دخل الاثنان "جلجامش وانكيدو" في صراع وكانت الغلبة أخيراً لجلجامش الذى طرح خصمه أرضاً ومنع حركته. وهنا تهدأ ثورة جلجامش ويرخي قبضته عن غريمه ثم يستدير ماضياً في طريقه، فيناديه إنكيدو بكلمات تمتدح رجولته ومروءته، وتكون فاتحة صداقة عميقة بين الطرفين. وما نلبث أن نجد إنكيدو مقيماً في القصر الملكي صديقاً وناصحاً للملك. عقب لقائه بإنكيدو غير جلجامش من سلوكه في الحكم والإدارة، وأرخى قبضته عن رعيته. وما نلبث أن نراه في حالة تأمل عميق في مسألة الحياة والموت، راغباً في الإقدام على فعل جليل يخلد ذكره عبر الأزمان بعد مماته. فراق صديق يفضي جلجامش بمكنون فؤاده إلى إنكيدو، ويطلعه على نيته في الشروع بمغامرة كبيرة تستهدف الوصول إلى غابة الأرز في أقصى الغرب وقتل حارسها "خمبابا"، الذى أقامه هناك الإله "إنليل" وأوكله برعاية المكان وحمايته. يجزع إنكيدو لسماع ذلك، فهو رأى الوحش "خمبابا" عندما كان يطوف البراري مع القطعان وناله منه الخوف الشديد، رآه يزأر في الغابة كعاصفة الطوفان ومن فمه تندفع ألسنة لهب وأنفاسه تجلب الموت من مسافة بعيدة. وتصور الملحمة صراع الإنسان مع الآلهة، الذي ينتج عنه موت انكيدو الأمر الذي نتج عنه جزع صديقه جلجامش وخوفه من الموت ورغبته في الخلود وجاء في الملحمة على لسان جلجامش: أو ليس يدركني إذا ما مت ذياك المصير سكن الأسى قلبي وغلفه، وفارقني السرور والخوف من موت يروعني ويسلبني الشعور وأهيم في الفلوات لا خلي صحبت، ولا السمير وإلى "أوتناباشتيم" أجري لا أكلُ من المسير شوق إلى الخلود لتحقيق الخلود يحاول جلجامش الوصول إلى الحكيم "أوتناباشتيم"، المخلوق الوحيد الذى أنعمت عليه الآلهة بالخلود وأسكنته مع زوجته في جزيرة نائية تقع خارج العالم المعروف. كان عازماً على الوصول إليه بأي ثمن ليسأله عن سر الحياة والموت، وكيف يستطيع الإنسان تحقيق الخلود لنفسه، وبعد أن يصل إليه يقص عليه أوتناباشتيم قصة الطوفان العظيم بجميع تفاصيلها وكيف انتهت إلى مكافأته بنعمة الخلود. فقد قرر الآلهة إرسال طوفان على الأرض يفني كل نسمة حية، وحددوا لذلك موعداً. ولكن الإله إيا الذى حضر الاجتماع وعرف القرار، نقل إلى الحكيم أوتناباشتيم ملك مدينة شوروباك قرار الآلهة، وأمره ببناء سفينة عملاقة يحمل فيها أهله ونخبة من أصحاب الحرف وأزواجاً من حيوانات البرية ووحوشها، ففعل أوتناباشتيم. وعندما أزفت الساعة وجاء الطوفان، أبحر أوتناباشتيم بسفينته وأغلق منافذها. دامت عاصفة الطوفان ستة أيام والمركب العملاق تتقاذفه الأمواج، حتى رسى في اليوم السابع على قمة جبل يدعى نصير. فتح أوتناباشتيم كوة وتطلع حدود الأفق، كان الهدوء شاملاً والبشر قد آلوا إلى الطين، فخرج وأطلق ركاب السفينة، وقدم بعض حيواناته قرباناً للآلهة. حضر الآلهة مسرعين لنداء نار القربان وقد تملكهم الندم على ما فعلوا، وعندما رأوا ما فعله أوتناباشتيم وكيف أنقذ بذرة الحياة على الأرض، فرحوا لذلك وقام إنليل باسباغ نعمة الخلود على أوتناباشتيم وزوجته مكافأة على صنيعه، وأسكنهما في هذه الجزيرة. ثم ينهي بطل الطوفان قصته بالقول إلى جلجامش: والآن يا جلجامش، من سيدعو مجلس الآلهة إلى الاجتماع من أجلك، فتجد الحياة التى تبحث عنها؟. اختبار النوم دعا أوتناباشتيم جلجامش إلى اختبار عسير يثبت من خلاله استعداده ومقدرته على قهر الموت الأكبر بقهر الموت الأصغر وهو النوم. فكان عليه أن يجلس في وضعية القعود ستة أيام وسبع ليال دون أن يطرق النوم أجفانه. جلس جلجامش قابلاً تحدي أوتناباشتيم مصمماً على قهر النوم، ولكنه بعد وقت قصير غرق في سبات عميق استمر ستة أيام. وفي اليوم السابع هزه أوتناباشتيم فأفاق معتقداً أنه لم ينم إلا هنيهة. وعندما عرف حقيقة ما وقع له وتأكد من فشله في الاختبار، استعد لمغادرة الجزيرة ومعه أورشنابي الذى أمره أوتناباشتيم بمغادرة المكان دون رجعة ومرافقة جلجامش إلى أوروك. ثم عطفت عليه زوجة أوتناباشتيم "بطل الطوفان" ووصفت له نبتة من يأكل منها لا يقربه الموت ويخلد وتمكن جلجامش من الحصول عليها، ولكن في طريق العودة أكلتها حية، الأمر الذي أدى إلى انهيار جلجامش بعد أن فقد الأمل حتى في تجديد الشباب، وتنتهي الملحمة بعودة جلجامش ورفيقه أورشنابي إلى مدينة أوروك.