بعض الأبواب قد ينفر المرء من طرقها، حتى ولو كانت به حاجة للمرور عبرها، وبعضها قد يستحثه، يحفزه، ويمكن أن لا تثير أبواب أية مشاعر، أبواب مصمتة، يمكننا أن نقول سنمضى أياما بصحبة ستفن هوكينج، فإذا سأل شخص، من هذا؟ فقد يكون الجواب: ألم تشاهد فيلم "نظرية كل شيء"؟ هذا الفيلم البريطانى الذى عرض فى عام 2014، من إخراج جيمس مارش وكتابة أنثوني مكارتن، مستوحى من مذكرات زوجة هوكينج السابقة عن حياتها معه، وعنوان المذكرات الأصلى "السفر إلى اللا نهاية: حياتي مع ستيفن لجين وايلد هوكنج"، وتحكى فيه ما يشبه سيرته الذاتية وحياتها معه؛ خاصة مرضه النادر، ونجاحه في الفيزياء. وقد يكون الجواب هكذا (هوكينج هو القائل): - هدفي بسيط، فهم كامل للكون، لماذا هو كما هو، ولماذا هو موجود على الإطلاق. - حتى آينشتاين كان مخطئا عندما قال: "الله لا يلعب النرد". النظر في الثقوب السوداء يوحي ليس فقط أن الله يلعب النرد، بل إنه في بعض الأحيان يرمي النرد حيث لا يمكن رؤيته. - كل الدلائل تشير إلى أن الله كان مقامرا واقعيا جدا، والكون هو كازينو كبير، حيث يتم رمي النرد، وتدور دواليب الروليت في كل مناسبة. - نحن مجرد سلالة متقدمة من القرود على كويكب للنجم المتوسط. ولكننا نستطيع فهم الكون. هذا ما يجعلنا شيئا خاصا جدا. - لا أعتقد أن الجنس البشري سوف ينجو في الألف سنة المقبلة، إلا إذا انتشر في الفضاء. يمكن أيضا أن تكون الإجابة مقتبسة من عناوين شهيرة لمقالات صحفية: ستفن هوكينج السفير الشعبي للعلوم؛ الذى ساهم في جعل علم الفيزياء جذابا للإنسان العادى. ويمكن أن يكون الجواب طويلا، نسبيا، مستندا بالكامل إلى تقديم الدكتور مصطفى إبراهيم فهمى، لترجمته لكتاب ستفن هوكينج الأشهر"تاريخ موجز للزمان من الانفجار الكبير حتى الثقوب السوداء": "كتاب تاريخ موجز للزمان هو بمثابة رحلة لملاح بارع يجوب آفاقا عجيبة فى علم الكون والفيزياء، مستندا إلى موهبة علمية فذة وسعة أفق خلاقة، بحثا عن الطريق إلى نظرية علمية كبرى توحد سائر النظريات". ومن الشيق أن المؤلف ستفن هوكينج رجل معوق ألزمه مرض أعصابه وعضلاته كرسيه ذات العجلات طيلة العشرين سنة الأخيرة من عمره، الذى بلغ التاسعة والأربعين، وهو لا يستطيع حتى أن يمسك بالقلم ليكتب، بل لا يستطيع أن ينطق الكلام بوضوح. ومع ذلك فهو يعد أبرز المنظرين فى الفيزياء بعد أنشتين، وشغل الآن كرسى أستاذ الرياضيات نفسه الذى كان يشغله أسحق نيوتن فى كمبردج، وله بحوث علمية رائعة معروفة، أشهرها ما تناول فيه الثقوب السوداء فى الفضاء. وكتابه هذا أول كتاب يؤلفه لغير المتخصصين، وقد أثار ضجة كبرى فى الأوساط الثقافية والعلمية. ويتناول فيه الزمان والكون وطبيعتهما. وأى تناول كهذا لا بد أن يؤدى إلى الحديث عن الحركة والفضاء والنجوم والكواكب والمجرات. ويستعرض الكتاب بأبسط أسلوب ممكن مسيرة النظريات الكبرى عن الزمان والكون ابتداء من أرسطو فجاليليو ونيوتن وأنشتين. ثم يغوص المؤلف بفكره فى أعماق الفضاء فى مغامرة فذة، مهتديا بالعلم مع الخيال النشط الخلاق، فى محاولة لإيجاد خطوط نظرية جديدة توحد أهم نظريات القرن العشرين بلا تناقض، وخاصة نظريتى النسبية وميكانيكا الكم. ونظرية موحدة كهذه قد يكون فيها الإجابة عن أسئلة طالما حيرت العلماء، وما زالت تحيرهم. فهل يمكن أن ينكمش الكون مثلا بدلا من أن يتمدد؟ وهل يرتد الزمان وقتها للوراء فيرى البشر موتهم قبل ميلادهم؟ وهل للكون بداية أو نهاية، وكيف تكونان؟ وهل للكون حدود؟ إن أنشتين قد جعل ل"المكان - الزمان" أربعة حدود، فماذا لو كان للكون أبعاد أكثر، كأن يكون له مثلا أحد عشر بعدا أو أكثر؟ وهذه بعض المسائل التى تناولها الكتاب بأسلوب جلى مبسط ومثير، بما يشد القارئ طول الوقت، وبما جعل النقاد العلميين يصنفونه بأنه كتاب كلاسيكى منذ ظهوره، فهو من علامات الطريق فى فلسفة ومنهج العلم بحيث لا غنى لمثقف عن الاطلاع عليه. للدكتور فهمى سبق تقديم هوكينج لقراء العربية، وهو مترجم مصري، حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة القاهرة عام 1954م، والدكتوراه في الكيمياء الإكلينيكية جامعة لندن عام 1969. حصل على جوائز عدة عن ترجماته للكتب التى أغنت الثقافة العلمية بالعربية، فقد ترجم عددا من الكتب العلمية ضمن سلسلة عالم المعرفة الكويتية، ولعدد من دور النشر المصرية، إضافة إلى "تاريخ موجز.."، ترجم فهمى لهوكينج: "الكون في قشرة جوز"، و"الثقوب السوداء". كتاب "تاريخ موجز للزمان"، إذن، الباب الأول، والأهم، لعالم هوكينج المذهل، عالمه المعرفى والعلمى، ما منحه للعلم هائل فى الواقع، وإن كانت حياته الشخصية أكثر إذهالا بصورة لا تصدق، تبدو فى بعض جوانبها ضرب من المستحيل على بساطتها بالنسبة له، مرضه لا حدود للتحديات فيه، لكنه كان ذا حس بالدعابة رائع، فى أحاديثه -يجب أن ننتبه إلى أنه لا ينطق، يتحدث عبر حاسوب شخصى مصنع خصيصا له بحيث يحول إشارات المخ إلى أصوات وكلمات- يبدو ساخرا مرحا لماحا فى كتاباته تبدو معرفته مذهلة، مقدرته على تبسيط أعقد المسائل بكلمات قليلة. تقول دور النشر إن "تاريخ موجز للزمن" حقق؛ وما زال يحقق مبيعات كبيرة جدا، ثم يضيف نقاد: لكن، لا يمكن معرفة عدد الأشخاص الذين تمكنوا من قراءته حتى النهاية. أخرج هوكينغ المسائل العلمية المعقدة من الدوائر الأكاديمية المغلقة وأوصلها إلى الشاشات التلفزيونية. هذه بعض الأبواب التى تفتح على عوالم ستفن هوكينغ -وسنظل نطل عليها لفترة- وهناك غيرها، منها هذا النعى العائلى: عالم الفيزياء البريطاني الشهير ستفن هوكينغ توفي اليوم الأربعاء عن عمر يناهز 76 عاما. فقد نقلت صحيفة "الجارديان" عن أبناء هوكييج قولهم: "يحزننا جدا أن والدنا المحبوب توفي اليوم. إنه كان عالما عظيما وشخصا نادرا ستبقى أعماله وتراثه معنا لسنوات طويلة.. إن شجاعة ومثابرة ستفن هوكينج وقدراته وروح الدعابة النادرة ألهمت الناس في جميع أنحاء العالم". وعام 1963 قال الأطباء إن هوكينغ البالغ من العمر 22 عاما مصاب بمرض التصلب الجانبي الضموري. واعتقد الأطباء آنذاك أنه سيعيش ما بين عامين و3 سنوات. لكن تنبؤاتهم لم تتحقق. فواصل هوكينج عمله العلمي، وتزوج مرتين وله 3 أطفال. وطوال حياته أجرى أبحاثا علمية وقدم تقارير علمية، ودرس في جامعات مختلفة، وبقى بحثه عن "نظرية كل شيء" ملهما له وللملايين من طلبة العلم، فأية جاذبية يمكن أن تعادل بحث كهذا: نظرية علمية تجمع القوى الأربع التى تحكم كل الأشياء فى الوجود المتناهى فى الصغر والمتناهى فى الكبر: قوة الجاذبية، القوة الكهرومغناطيسية،، القوة النووية الشديدة، القوة النووية الضعيفة.