حسن الإمام.. مخرج ومؤلف وممثل مصري، أطلق عليه محبوه لقب «مخرج الروائع»، فقد قدّم روايات نجيب محفوظ في أعمال سينمائية خالدة، وهي «السكرية، زقاق المدق، قصر الشوق، بين القصرين»، كما كانت تحقق أفلامه إقبالا ونجاحا جماهيريا منقطع النظير، فيما نعته منتقدوه ب«مخرج العوالم»، حيث إنه اهتم بتقديم الراقصات في أعماله، ونقل سيّرهم باعتبارهم ركنًا فنيًا يستحق التقدير، وما بين «الروائع والعوالم»، قدّم لنا «الإمام» باقة من أفضل أفلام السينما المصرية، وصار اسمه بين أهم مخرجيها في القرن الماضي. النشأة ولد في 6 مارس عام 1919 في المنصورة، والده كان يعمل بالتجارة، بينما كان الطفل في عالمه الخاص، حيث انصب تركيزه على القراءة وحضور العروض المسرحية، التي كانت تقام أسبوعيًا على مسرح عدنبالمنصورة، إضافة إلى تركيزه في الدراسة، وإتقانه اللغة الفرنسية والإنجليزية. تلقى تعليمه في مدرسة «الفرير» بالخرنفش بالقاهرة، ثم انقلبت الأمور بوفاة والده حزنًا على خسارة ثروته وتجارته، ليجد الشاب نفسه مُطَالبًا بالعمل لمساعدة أسرته، فيقرر العمل في الفن، حيث يبدأ في ترجمة المسرحيات الفرنسية والإنجليزية والاسكتشات وبيعها لفرق المسرح في القاهرة، ثم ينضم إلى فرقة رمسيس مع الفنان القدير يوسف وهبي كمترجم في البداية، ثم كممثل بعدها ومساعدًا له. يوسف وهبي.. وبداية المشوار انتقل «الإمام» مع «وهبي» من المسرح إلى السينما، وهناك التقى بأستاذه نيازي مصطفى، ليعمل بعدها مساعد مخرج في السينما، في أفلام منها «شارع محمد علي، الآنسة بوسة، حسن وحسن، والقرش الأبيض»، ثم يخوض أولى تجاربه السينمائية كمخرج أول بفيلم «ملائكة في جهنم»، عام 1946، ومن خلاله اتضح منهجه الفني بالاتجاه للقصص الميلودرامية الاجتماعية، ذات التوليفة البسيطة التي تعتمد على قصة حب وعقدة اجتماعية وشخصية مضطهدة، تحاول فقط أن تنال حقها، خاصةً أنه بدأ العمل في فترة كان الجمهور فيها يفضل الميلودراما والفواجع والقصص المأساوية، فبرع هو في تقديم هذا اللون، وحققت أفلامه إيرادات ضخمة بمقاييس عصره، ومن أشهر أعماله في تلك الفترة، فيلما: «اليتيمتين، ظلموني الناس». مخرج روائع النجيب في عام 1962، انتقل حسن الإمام إلى مرحلة مختلفة، إذ حلّ بديلًا للمخرج صلاح أبو سيف في إخراج فيلم «بين القصرين»، عن رواية الأديب العالمي نجيب محفوظ، بسبب انشغال «أبو سيف» بإدارة المؤسسة المصرية العامة للسينما، وكانت الرواية سابقة الذكر بداية تعامل «الإمام» مع أعمال «النجيب»، فقد قام بإخراج روائع «زقاق المدق» 1963، «قصر الشوق» 1966، و«السكرية» 1973. التحول والتعرض للانتقاد في فترة الستينيات والسبعينيات، كانت الأفلام التي ليست ذات بعد سياسي كان تعامل معاملة أفلام الدرجة الثانية، وهي تلك الفترة التي تعرض فيها «الإمام» لهجوم كبير، واتُهم بمحاولة تغييب وعي الشعب عن الاحتلال والهزيمة، خاصةً حينما قدّم فيلم «خلي بالك من زوزو»، 1927، رغم أنه حقق نجاحًا مدويًا، واستمر عرضه في السينمات مدة تخطت العام، إلا أنه أصّر على التخلي قليلًا عن قصص المآسي ليُقدّم ألوانًا أخرى، وغلب على أفلامه في تلك الفترة الطابع الغنائي والاستعراضي، وقدّم تجارب مثل: «حكايتي مع الزمان، وأميرة حبي أنا». مخرج العوالم! اهتم «الإمام» ب«سير» الراقصات، مثل امتثال فوزي، التي قُتلت على يد مساعدها، وقدّم سيرة حياتها في فيلم «امتثال»، 1972، وكذلك شفيقة القبطية وبمبة كشر، وتحية كاريوكا التي كشف عن مناطق إنسانية في حياتها، وأحب التعرف على حياة هؤلاء الراقصات بالتردد على أماكنهن لمراقبة أدق تفاصيل حياتهن اليومية لينقلها لنا في أفلامه، لذلك كان منتقدوه ينعتونه بلقب «مخرج العوالم». المؤلف.. و«هند».. والطلاق ساهم «الإمام» بكتابة السيناريو والحوار لعدد كبير من أفلامه، ومعظمها مأخوذ عن روايات شعبية فرنسية، كما ساهم في نجومية الكثيرين، فإيمانه بموهبة هند رستم، كان سببًا في أنها أصبحت فيما بعد تلك النجمة التي خلّدت اسمها في تاريخ السينما، ورغم أنه ليس مكتشفها الأول، إلا أنه أول من أفرد لها مساحات كبيرة على الشاشة، ما كوّن أسطورتها كملكة للإغراء في السينما المصرية، والأمر نفسه تكرر مع شادية، فهو أول من لمح فيها إمكانية أن تخرج بسهولة من إطار «الفتاة الشقية»، لتدخل في إطار الأنثى شديدة الغواية بفيلمه «لواحظ» ثم «التلميذة» وكذلك «زقاق المدق»، لتدخل بعدها شادية منعطفا مهما في مسيرتها كممثلة من خلال أفلام مثل «الطريق». والعلاقة بين «حسن» و«هند» لم تكن من وجهة نظر البعض علاقة فنية فقط، وذكرت أقلام صحفية في منتصف الخمسينيات بأنه تجمعهما علاقة عاطفية توشك أن تعصف بالحياة الزوجية المستقرة للمخرج الخجول، ووفقًا لما جاء في مقال بمجلة «الموعد» عام 1955، ألقت «هند» بشباكها حول «الإمام» من أجل تحقيق شهرة فنية لا تتماثل مع موهبتها المحدودة، حيث استطاعت بجمالها الصارخ إقناعه بموهبتها فتكفل بإنتاج وإخراج عدة أعمال لها، بل وقام بكتابة فيلم «بنات الليل» خصيصًا لها في نفس العام. الفنانة الشقراء أنسته زوجته «نعمت الحديدي»، والدة أبنائه «حسين ومودي وزينب»، التي كان يطلق اسمها على جميع بطلات أفلامه، حسب المقال، الذي اختتم بموقف مثير للدهشة، حيث ذهبت «هند» ذات ليلة إلى منزل المخرج قائلةً لزوجته: «أريد أن أقول لك يا سيدتي أن أولاد الحرام يشيعون بأني تزوجت زوجك حسن وأنا أقسم لك بأن هذا الخبر غير صحيح»، وظلّت تؤكد طوال 3 ساعات أن العلاقة بينهما لا تتعدى العلاقة الفنية والصداقة فقط، والزوجة تسمع ولا تجيب، وفي النهاية قامت زوجة المخرج الكبير وفتحت لها الباب، وهزّت رأسها مودعةً دون أن تقول حتى «مع السلامة»، ومنذ تلك اللحظة عاد «حسن» إلى بيته وفنه، إلا أن الطلاق تم في عام 1956 وفق ما نشرته مجلة «روز اليوسف» حينها، وكان «عجايب يا زمن» آخر تعاون فني بين «هند والإمام» عام 1974، وذلك قبل اعتزالها الفن في نهاية السبعينيات. جوائز.. ونهاية شارك بالتمثيل في عدة أفلام، منها «كيدهن عظيم، ليال، دماء على الثوب الوردي، ولا تظلموا النساء»، وحصل على العديد من الجوائز منها الجائزة التقديرية الذهبية من الجمعية المصرية للنقاد، وكرمته الدولة عام 1976 كأحد رواد الفن السادس بشهادة تقدير، كما كرمه مهرجان «نانت» الفرنسي بعرض مجموعة من أفلامه، وكان آخر أعماله «عصر الحب» بطولة محمود ياسين، وتوفى في القاهرة في 29 يناير 1988 بعد أن ترك وراءه قائمة أعمال تتجاوز المائة فيلم.