ببعض الثقة سيمضى قارئ العدد (653) - يناير 2018 - من السلسلة الشهرية "كتاب اليوم"، الصادرة عن "دار أخبار اليوم" الذى يحمل عنوان: "فى سبيل الحرية.. رواية بقلم جمال عبد الناصر"، إلى المراحلة الختامية لبحثه فى "اتهام" عبد الرحمن فهمى، للطالب جمال عبد الناصر حسين بأنه "نقل الصفحات العشر من رواية للبارونة أوركيزى"، فقد وقف على تفاصيل فى حياة "الزعيم" أثناء دراسته الثانوية وتعرف على بعض أهم ظروف ومؤثرات كتابة تلك الورقات. وبنظرة سريعة سيستبعد أية علاقة لتلك الورقات ب"الرجل ذو القناع الحديدي"؛ سواء أكان فى صياغة إسكندر دوماس (1802 1870)، أو صياغة فولتير (1694 1778)، فلن يخدعه مقال "جمال" فى مجلة مدرسة النهضة المصرية، عن فولتير؛ الذى كان أول المشاهير الذين كتبوا عن القصة التى بدأت في فرنسا، في ثمانينيات القرن السابع عشر، كإشاعة عن وجود سجين في أحد السجون الفرنسية ممنوع من الاختلاط بالآخرين وقد أجبر على ارتداء قناع مخملي (أي من قماش القطيفة) كي لا يتعرف أحد عليه، فلا علاقة أبدا بين ذلك "المقنع" وبين "المقنع" فى ورقات "جمال"، ولا علاقة له بالتالى ب"اتهام" عبد الرحمن فهمى. سيذهب إذن مطمئنا إلى روايات البارونة أوركيزى التى تدور حول "زهرة كزبرة الثعلب القرمزية"، وإلى شخصيتها الرئيسية السير برسي بلاكني؛ الذي امتاز بجسارته وإقدامه، وقد عرف القارئ (المحقق) من قبل أن البارونة كتبت ما بين عامى 1905 و1934، تسع روايات تضمن عنوانها إشارة إلى تلك الزهرة وذاك السير، كما عرف من الدكتور غبريال وهبة، مترجم رواية البارونة "سآخذ بثأري"، أن المخرج والمنتج الكسندر كوردا -المجرى الأصل بدوره كالبارونة- قد أنتج فيلما فى عام 1930، قام الممثل الشهير لسلي هوارد بدور زهرة كزبرة الثعلب القرمزية ورايموند ماسي بدور الخصم الشرير، لكن عند التدقيق سيعرف أن الفيلم عرض فى عام 1934 من إخراج هارولد يونج. سيكون القارئ هنا أمام ثلاثة أسئلة: هل قرأ "جمال" الرواية؛ وبأية لغة: الإنكليزية، أم فى ترجمة عربية، وهل ترجمت الرواية بالفعل أم لا؟ أم شاهد الفيلم، وهل عرض فى مصر بالأساس، ومتى؟ أم أنه قرأ؛ أو سمع عنهما، أو أحدهما على الأقل؟ لدى القارئ شكوك دفعته للبحث بلا شك فى حقيقة الاتهام، ولو اهتدى إلى إجابة شافية عن السؤالين الأولين ستكون تلك قرينة محفزة للمضى بثقة فى المقارنة وتقصى أثر البارونة فى كلمات الطالب "جمال"، لكن الإجابة عن الأسئلة الثلاثة لا تبدو سهلة، فقد جرب القارئ الوسائل المتوفرة ولم تسعفه، وسيكون عليه أن يمضى؛ مؤقتا، فى تلمس ملامح التأثير؛ فيتعرف على موضوع وأجواء الروايات والفيلم، وسيستبعد ثمانى روايات، ويركز على الأولى، فقد طبعت عدة طبعات -بالإنجليزية طبعا- وهناك طبعة مميزة فى عام 1933، لكنه سيلاحظ أن الروايات التسع، هذه فقط روايات البارونة التى يرد فى عنوانها إشارة إلى أنها تدور حول (الرجل ذو القناع الجلدى- السير برسي بلاكني)، وقد يكون هناك روايات أخرى عنه دون أن ترد إشارة إلى ذلك فى العنوان، سيلاحظ أن الروايات التسع تجرى وقائعها بين إنجلتراوفرنسا بين عامى 1792 و1794، فى تلك الفترة التى شهدت أكثر أحداث الثورة الفرنسية دموية، والتى تصفها بعض الكتابات بأنها سنوات "الإرهاب" أو سنوات "المقصلة" حيث جرت عمليات قتل بتلك الآلة للعديد من أفراد العائلات الأرستقراطية الفرنسية، وكان فى مقدمتها العائلة المالكة، وهنا جاء دور السير برسي بلاكني، الأرستقراطى الإنجليزى الذى يغضبه ما يجرى فى فرنسا، فيتخفى وراء قناع جلدى ليقوم بإنقاذ العديد من شابات ونساء وأطفال ورجال وشيوخ من الأستقراطيين الفرنسيين ويوفر لهم سبل الهرب والنجاة، وهو يستخدم زهرة كزبرة الثعلب القرمزية كشارة تعارف تشير إلى شخصيته "المتخفاة"، وكعلامة توقيع ورمز وكراية مشرعة فى القتال، فقد يبعث مثلا بكتاب إلى أسرة فى سجن سيتم إعدام أفرادها وداخل الكتاب يضع تلك الزهرة فيعرف الذين ينتظرون قطع رقابهم -لأنه أضحى مشهورا بعلامته تلك- أن "المنقذ" قريب منهم وأنها سينجون من المصير الذى يسوقهم "المواطنون" إليه. قد يبحث القارى أولا عن أية دلالة ل"زهرة كزبرة الثعلب القرمزية" قد تفيده فى "التحقيق"، اللون القرمزى، ماذا يعنى؟ "هو لون أحمر مشرق وعميق وقوي، وهو في الأصل لون الصبغة المنتجة من حشرة حرشفية تدعى قرمز، يطلق كوصف عام للألوان الحمراء المزرقة بين الأحمر والوردي"، أما الزهرة فلا تحتاج بحثًا بالتأكيد. كزبرة الثعلب إذن هى محل البحث الحقيقى، وهناك تعريفات عديدة، فهى تسمى في الساحل السوري عشبة الصابون نظرا لأنها تصدر رغوة كالصابون إذا فركت مع الماء ويستعملونها بدل الصابون في البرية، وفي بعض المناطق العربية تسمى عين الجمل أو عين القط أو حشيشة العلق، وهى موجودة فى بلدان حوض البحر المتوسط وأوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية، والزهرة شديدة الحساسية للظروف الجوية حيث تغلق الزهرة بالكامل عند ظهور الغيوم الماطرة كما أنها تتحسس من أشعة الشمس المباشرة ومتى سقطت عليها شمس الظهيرة فهي تغلق بتلاتها أيضا، ولا تظل الزهرة مشرعة إلا لفترات قصيرة من النهار، وعندما تغلق (بتلاتها) فلا تعود تنفتح إلى اليوم التالي صباحا، والإزهار في المناطق المعتدلة يتم بين فبراير مارس وفي المناطق الأبرد تزهر بين أبريل إلى أغسطس، أما عن استخداماتها ففي أوروبا تستخدم لإزالة النمش وحب الشباب من الوجه، وما زالت السيدات الفرنسيات تستخدمنها لإزالة التشوهات والألوان غير المرغوبة التي تظهر على أجسامهن، واستعملت، قديما، كعلاج لداء الكلب ولسع الحشرات، والكثير من الأمراض المختلفة حيث استعملها الإغريق في علاج العيون وضعف النظر وذلك بخلط عصير النبات بالعسل ويقطر داخل العيون، وفي القرن الثامن عشر كان ستعمل كامل النبات بعد التجفيف لعلاج الصرع، كما ذكر الدجالون أن هذا النبات يفيد في الوقاية وعلاج السحر.