■ ملف التعليم ناقشنا أمس قضية العشوائيات باعتبارها من بين أبرز الملفات المطروحة أمام الرئيس القادم والتى تعد فى طليعة الملفات التى تتطلب التعامل السريع والعاجل تجاوبًا مع مطالب تحقيق العدالة الاجتماعية فى مصر، ونستكمل اليوم معالجة ملف التعليم، ونقول إن التعليم بصفة عامة يمثل إحدى أهم أدوات ارتقاء السلم الاجتماعى والانتقال من شريحة إلى أخرى داخل الطبقة ذاتها، وربما من طبقة إلى أخرى حسب مستوى التعليم الذى يحصل عليه الشخص، فالمؤكد أن التعليم هو طريق أبناء الطبقة الدنيا لدخول حدود الطبقة الوسطى، وأحيانًا يكون أداة أبناء الطبقة الوسطى للقفز فوقًا إلى الشرائح العليا من هذه الطبقة ومنهم من ينفذ إلى الطبقة العليا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن التعليم وانتشاره فى المجتمع يؤدى إلى زيادة مستوى الوعى بمختلف أشكاله، الأمر الذى يصب فى خدمة الدولة والمجتمع عبر توافر قوى عاملة متعلمة ومدربة وواعية أيضًا، فازدياد نسبة التعليم فى المجتمع تحقق مزايا كبيرة للدولة وتساعد على التطوير والتحديث. فى الوقت ذاته، فإن محتوى مناهج التعليم يمثل العامل الحاسم فى التمييز بين معدلات التعليم من ناحية وقدرات المتعلم والدولة من ناحية ثانية، فقد ترتفع معدلات التعليم دون أن ينعكس ذلك فى مجالات الحياة المختلفة، نظرًا إلى تدنى مستوى التعليم المتحصل واعتماد النظام على التلقين وتركيز المناهج على الحشو والاعتماد على «القدرة على الحفظ» فى تحديد مستوى الطلبة. نعم قد تزيد معدلات التعليم، ولكن المناهج محشوة بالتحريض والأكاذيب التى تخالف الحقائق ووقائع التاريخ. ما نريد تأكيده هنا هو أن القضية لا ينبغى أن تختزل فى معدلات التعليم، بل فى التركيز على العملية التعليمية فى مكوناتها المختلفة من طالب ومدرس ومدرسة ومناهج تعليم، ولا بد من الاهتمام بكل هذه المكونات معًا، بالطالب والمدرس (وهنا يأتى الحديث عن المسكن الصحى الملائم، والعلاج المجانى الجيد، والحد الأدنى للأجور)، والمدارس (وهنا يأتى الحديث عن تخصيص ميزانية للتعليم)، أما المناهج فتحتاج إلى قرار سياسى شجاع باعتماد العلم أساسًا ومقياسًا، والتوقف عن حشو المناهج بالخرافات والكف عن تزييف التاريخ واستخدام المناهج فى التعبئة السياسية لصالح مَن يحكم أو فصيل سياسى محدد، فالحاكم متغير ومن ثم تتعرض مناهج التعلم لعدوان متواصل تمجيدًا للحاكم الجديد، كما يجرى أيضا حذف جزء من تاريخ البلاد فقط لشطب ما قد يكون قد تحقق من إنجازات على يد المسؤول السابق والذى غالبًا ما يكون قد رحل. الشق الأكثر أهمية فى ملف التعليم هو إعادة الاعتبار للتعليم العام (الحكومى)، فلم يكن لدينا فى الخمسينيات والستينيات تعليم خاص، كانت الهيمنة للتعليم العام، كان التعليم الخاص وقتها هو للعاجزين علميًّا عن مواصلة التعليم العام، وكان التعليم العام مجانيًّا بالكامل، وكان المدرس معدًا إعدادًا جيدًا، وكانت المدارس مناسبة من حيث الإمكانات للمتاح فى ذلك الزمان، وكان المتفوق فى الثانوية العامة (مَن يحصل على أكثر من 80٪) يتلقى مقابلًا شهريًّا يبلغ أربعة عشر جنيهًا مصريًا، وهو مبلغ معتبر فى ذلك الزمان، كان يمكن الطالب المغترب من سداد مصروفات الإقامة فى المدينة الجامعية (خمسة جنيهات) ويمكنه الاعتماد على نفسه دون إرهاق ميزانية أسرته. اليوم تراجع التعليم العام تمامًا بمكوناته المختلفة، فالطالب يعانى من تدنى معدلات دخل أسرته ولا يتوافر له المسكن الصحى المناسب ولا العلاج المجانى الجيد، كما لا يحصل عائله على دخل شهرى يكفى للوفاء بالاحتياجات الأساسية، يذهب إلى مدرسة متصدعة لا تتوافر فيها الأدوات المناسبة ولا القدرات اللازمة، بالإضافة إلى تلقى دروس عبارة عن لغو وحشو من قبل مدرس لا تتوافر لديه القدرة على الوفاء بالاحتياجات الأساسية ومن ثم ينكل بالطالب إلى أن يدخل فى منظومة الدروس الخصوصية، فيزداد الضغط على ميزانية الأسرة ويهجر الطالب المدرسة. حدث ذلك فى وقت أقام فيه التيار الدينى مدارسه الخاصة التى يجرى من خلالها تجنيد التلاميذ وأسرهم، مدارس لا تقوم بتحية العلم ولا مكان للنشيد الوطنى لديها، تزرع فى نفوس الأطفال والتلاميذ حب الجماعة لا مصر، مدارس خارجة بالكامل عن سلطة الدولة. وبينما يتراجع التعليم العام وتنفذ الجماعة بمدارسها الخارجة عن سلطة الدولة، يتقدم التعليم الخاص فتزداد الفجوات بين فئات المجتمع المختلفة، فمن معه يحصل على تعليم عصرى جيد، والجماعة تُعلم تابعيها ما تريد، ويتخرج طلبة التعليم العام بشهادات تقول إنهم أتموا مرحلة تعليمية، والنتيجة هى الانضمام إلى جيوش العاطلين والساخطين، وهم مَن كانوا وقود ثورة الغضب التى نادت بالعيش والعدالة الاجتماعية. ثقيل هو ملف التعلم وما نريده من الرئيس القادم هو الدراسة شاملة من قبل متخصصين للملف ووضع خطط العلاج ثم البدء فى التنفيذ والشعب سوف يصبر إلى أن يرى الثمار.