كيف تستفيد أمريكا من قناة «الجزيرة»؟ فى عام 1996 أسست قطر قناة «الجزيرة».. وبدأت علاقات تجارية مع إسرائيل هذا مقال نُشر قبل «الربيع العربى» للبروفيسور أندرو تيريل وهو باحث متخصص فى شؤون الشرق الأوسط فى معهد الدراسات الاستراتيجية التابع لكلية الحرب للجيش الأمريكى.بعنوان: هل لقناة الجزيرة جانب إيجابى لأمريكا؟ يعتبر الكثير من الأمريكان أن «قناة الجزيرة» هى زعيمة الأوغاد المعادين للسياسة الأمريكية المعاصرة. وقد اتهمت هذه المحطة فى أوقات مختلفة بكونها بوقًا لابن لادن، ومؤيدة لصدام حسين، وغير مبالية بخسائر الولاياتالمتحدة (فى الحروب)، ومستعدة للعثور على دوافع سيئة فى كل شىء تفعله الولاياتالمتحدة تقريبًا فى المنطقة. العديد من التهم ضد قناة الجزيرة مبالغ فيها، لكنها فى بعض الأحيان تبث بالفعل صور جرائم فظيعة ومرعبة، وكانت ناقدة بشكل كبير لما تعتبره تهاون أمريكا بالأضرار الجانبية على المناطق المدنية بسبب القصف الأمريكى فى حربى العراق وأفغانستان. وكانت أول محطة تبث أشرطة بن لادن فى نشرة الأخبار، ومن غير المطمئن مهنيًّا أن مراسلًا لقناة الجزيرة حوكم فى إسبانيا فى سبتمبر 2005 وأدين بالتواطؤ مع تنظيم القاعدة الإرهابى. لكن مع تزايد العداء لأمريكا بصورة مستعرة بالفعل عبر الشرق الأوسط، هل يمكن أن يكون لقناة الجزيرة أى جانب إيجابى لأمريكا؟ فى الواقع، نعم هناك جانب إيجابى ومفيد جدًّا للولايات المتحدة، فمن خلال السماح لقناة الجزيرة بالعمل بحرية غير مسبوقة، فإن دولة قطر الصغيرة يمكن أن تتخلص (ظاهريًّا) من تهمة كونها حليفة للولايات المتحدة فى المنطقة العربية. لقد استخدم القطريون هذه «الحيلة الماكرة» ليصبحوا حليفًا جديرًا بثقة الولاياتالمتحدة فى الشرق الأوسط. وهذا أمر مهم للغاية، لأن اثنتين من القواعد العسكرية الأهم لدينا فى المنطقة تقعان على الأراضى القطرية: قاعدة العيديد الجوية، ومعسكر السيلية الذى يعتبر بمثابة مقر متقدم للقيادة المركزية الأمريكية الوسطى (CENTCOM). السماح لمثل هذه القواعد العسكرية الحساسة بالعمل خلال الحربين الأفغانية والعراقية كان مكروهًا بشدة فى العالم العربى، لكن القطريين نجحوا فى مواجهة الضغوط الخارجية ومساعدة الولاياتالمتحدة فى تحقيق أهدافها العسكرية بفضل حماية «قناة الجزيرة» المعنوية والسيكولوجية، وما توفره لأمير قطر من شهادة بحسن السيرة والسلوك أمام الجماهير العربية المتطلعة للحرية التى تقدمها «قناة الجزيرة». إضافة إلى ذلك، أصبح على نقاد دور قطر الجديد الموالى لحروب أمريكا، وهم من خصوم الولاياتالمتحدة أن يفهموا حقيقة أنهم سيعارضون دولة يمكن أن تدافع عن نفسها سياسيًّا بقوة وعنف عبر «قناة الجزيرة» التى تصل إلى أكثر من 50 مليون نسمة. وإضافة إلى استعدادها لتحقيق مصالح الولاياتالمتحدة، فإن قطر أصبحت أيضًا دولة رئيسة فى النزاع الإسرائيلى - الفلسطينى، وتسعى لحل «معتدل»، وهو دور كان سيكون صعبًا دون الحماية المعنوية والسيكولوجية التى توفرها «قناة الجزيرة» لساسة قطر كما ذكرنا آنفًا. وقد بدأت قطر بعلاقات تجارية مع إسرائيل منذ عام 1996، وهى نفس السنة التى تأسست فيها القناة، وقاومت قطر لاحقًا بنجاح طوال سنوات ضغوط قوية لقطع تلك العلاقات بفضل «قناة الجزيرة». ولذلك، ساند الإسرائيليون ترشيح دولة قطر لتصبح عضوًا غير دائم فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة استجابة لطلب علنى للدعم وجهته قطر لإسرائيل. كما أثنى القطريون كثيرًا على قرار إسرائيل سحب قواتها من قطاع غزة، وأعلنوا أن الوقت أصبح مناسبًا لتحسين العلاقات العربية - الإسرائيلية. وصرح وزير الخارجية القطرى السابق حمد بن جاسم آل ثانى فى مقابلة مع قناة الجزيرة، أن الحكومات العربية بحاجة إلى التحدث «وجهًا لوجه» مع الإسرائيليين وتجاوز مقولة إن «إسرائيل هى العدو». ومن الجدير بالذكر أيضًا أن قناة الجزيرة لديها طريقة لإغضاب مجموعة متنوعة من الدول، وليس فقط الولاياتالمتحدة. الإيرانيون، على سبيل المثال، غضبوا بشدة لتغطية قناة الجزيرة أحداث الشغب فى مدينة الأحواز الإيرانية فى أبريل 2005 التى تقطنها الأقلية العربية فى إيران. تسببت هذه التغطية فى إغلاق مكتب قناة الجزيرة فى طهران فى إجراء كان يهدف بلا شك لتعزيز جهود إيران لتسويق محطتها الخاصة «قناة العالم» الإخبارية على مستوى المنطقة العربية. وهكذا تم إغلاق مكتب «قناة الجزيرة» فى طهران فى أوائل عام 2006. وإضافة إلى ذلك، تعرضت «الجزيرة» لنقد عنيف من حكومات عربية لبث تغطيات عن حركات الإصلاح فى العالم العربى. وحظيت الانتخابات فى لبنان بتغطية واسعة وغير مسبوقة من قبل «قناة الجزيرة»، بينما اختارت العديد من وسائل الإعلام العربية التى تسيطر عليها الحكومات عدم الخوض فى ذلك. كما قامت «قناة الجزيرة» بتغطية شاملة لأنشطة حركة الإصلاح المصرية «كفاية»، وبثت تقارير محرجة عن حقوق الإنسان فى المغرب، فضلًا عن نشاط حركة الطالبة بحق الاقتراع للمرأة الكويتية. ولكن لا شىء مما ذكرناه يشير إلى أنه لا ينبغى على الولاياتالمتحدة مواجهة ودحض تقارير قناة الجزيرة عند وجود الخلافات. ومع ذلك، فإن مسألة الموقف من «قناة الجزيرة» معقدة للغاية وليس بسيطة، مثل التفريق بين اللونين الأسود والأبيض. لقد أظهرت «قناة الجزيرة» استجابة لبعض الاعتراضات الغربية المحددة فى الماضى وصلت لدرجة طرد صحفيين لا يتمتعون بالمسؤولية. إضافة إى ذلك، فإن جهود الولاياتالمتحدة للضغط على القطريين لكى يمارسوا سيطرة ورقابة صارمة على «قناة الجزيرة»، سيكون من شأنه تأكيد مزاعم خصوم الولاياتالمتحدة الذين يرددون أن الولاياتالمتحدة لا تدعم الديمقراطية فى العالم العربى ما لم تخدم تلك الديمقراطية أهداف الولاياتالمتحدة فى المقام الأول. ولذلك «ربما» يجب علينا أن نتعلم أن نختلف مع قناة الجزيرة، عندما يكون من مصلحتنا أن نفعل ذلك، لكن يجب علينا أيضًا أن نفهم أن «قناة الجزيرة» قد تخدم مصالحنا وتهددها فى نفس الوقت.