حين تصف ما حدث فى 30 ستة بأنه انقلاب، فأنت تبدأ الكتاب من الفصل رقم 5.. ومن ثَم فأنت تقفز (بوعى أو من دون) على 4 فصول كاملة من كتاب مصر ما بعد 25 يناير 2011.. وهذا كافٍ لنفى صفة الكمولية عن قراءتك.. الفصل الأول هو يوم 25 يناير.. الثانى 28 من نفس الشهر.. الثالث 11 فبراير.. أما الفصل الرابع فهو يوم الاستفتاء على تعديلات لجنة طارق البشرى الدستورية (مع حفظ الالقاب إن كنت ترى لها أهمية).. وكلها فصول لا تعنى سوى معنى واحد، أن الإخوان توهموا أنهم سيزحزحون القوى المصرية (التى بدأت الثورة وصنعتها) خارج الإطار، تمهيدًا لتقديمها قرابينًا للإله، فى حرب الخلافة الطويلة التى بدأت بالتمكن من البقالات.. قبل أن تتوقف عند محطة التمسكن للدولة العميقة، تمهيدًا للقفزة النهائية ومبايعة البقال الأعظم (خيرت شاطر) خليفة وسلطانًا على كل العالم الذى كان يسيطر عليه الخليفة (العسمانلى). التمسكن للدولة العميقة أنتج اتفاقًا شديد الشبه باتفاق العقرب مع الضفدعة.. فى عرض النهر لدغ العقرب الضفدعة (وهما الآن وأنت تقرأ هذا المقال فى الطريق نحو القاع).. نعود للبداية، لم تكن الدولة العميقة تريد من الاتفاق سوى استخدام الإخوان كحائط امتصاص للثورة.. تمهيدًا للالتفاف عليها.. بعدها تأت مرحلة القضاء على الإخوان.. لكن الإخوان بدلًا من إعادة قراءة الكتاب من الفصل الأول، قعدوا يولولون: انقلاب.. انقلاب.. المريع هنا هو التوصيف.. لأن أول خطوة فى العلاج هى التشخيص (التوصيف) السليم.. ولأن الإخوان شخّصوا الموضوع غلط.. فقد ظل يتردّى بهم الحال حتى وصلوا إلى مرحلة الذلة والمسكنة.. ولم يبقَ عليهم سوى أن يبحثوا عن حائط مبكى يخبطون رؤوسهم فيه ويتلون: إن نسيتك يا شرعية فلتنسنى يمينى. لا يا سيدى ليس انقلابًا.. الانقلابات تأتى بغتة: يركب ضابط دباباته ويقود كتيبته.. ثم يستولى على قصر الحكم.. ويرسل واحدًا من رجالته ليقرأ البيان رقم واحد عبر موجات الأثير.. فتأتيه أجزاء الدولة على ركبها طائعة مطيعة.. أما فى حالتنا فقد ظلّت القوى (التى توهم الإخوان قدرة على تقديمها قربانًا للإله) لسنتين ونصف تشير بإصبعها نحو النهاية المقدرة (فى هذه الزاوية كتبت أن التمكين الذى يتوهّم الإخوان أنهم يزحفون نحوه هو حتفهم).. ظلت تلك القوى تنزل الشوارع.. ووصلت إلى مقر الكاهن الأعظم فى المقطم.. ورقصت قدامه.. كانت مثل فتى يرسم القلب على جدار معبد.. ورغم عدم التوازن فى ميزان القوى، تصدّت للإخوان فى ميدان التحرير مرتين متتاليتين. المرة الثانية كانت قيادة ميليشيات الإخوان مسنودة للبلتاجى رئيس جهاز مخابراتهم شخصيًّا. وتواصل التصعيد حتى وصلوا إلى قصر الاتحادية ورشقوا شباك الفور باى فور التى تقل مرسى بقزايز المياه المعدنية.. يومها لأنها قوى عاقلة توقفت، رغم أنها كانت تستطيع أن تقتحم القصر وتقعد واحدًا من رجالها على كرسى الرئاسة. هنا تيقّنت الدولة العميقة أن فيه قوة غير الإخوان فى الواقع.. والأهم أن الإخوان (بطبيعة التكوين) عاجزين عن احتوائها وأنهم أضعف حالًا وأهون سبيلًا من القدرة على كسرها.. فالتفت من وراء ظهر الإخوان وتحالفت معها.. كانت القوى المصرية قد فهمت أن الدولة العميقة أقل خطرًا على التقدم والاستقرار والأمن فى مصر من الإخوان.. الآن القوى المصرية تتحرّك ببطء تجاه النقابات ومنظمات المجتمع المدنى (بيئتها الطبيعية ومطرح قوتها).. فقوة تلك القوى ليست فى توزيع أنابيب الغاز والسكر وقزايز الزيت وعلب السمنة. وليست فى جر السبحة ولا فى تكبير الزبيبة حتى تسد القورة.. قوتها الحقيقية فى تحرير منظمات المجتمع المدنى.. الآن قدام الإخوان طريق واحد: أن يفكّوا (يحلّوا) تنظيمهم الفاشى (التنظيم الذى كسر ظهرهم).. ثم يعملون حزبًا، يشتغل مثلما يشتغل أى حزب سياسى فى بيئة سياسية.