عام 2013، على المستوى العام، كان عاما صعبا، لكنه أيضا على نفس المستوى عام جيد جدا. صعوبته تفسر جودته. لأنه وضعنا فى مواجهة مع مهام كانت مؤجلة منذ زمن بعيد. فى مواجهة مع ادعاءات لم تختبر، وفى مواجهة مع سلوك كنا نرى ظاهره، ورأينا باطنه. فى مواجهة مع مواقف اتخذناها لتخدم ناس ما تستاهلش، لم نكن ننتظر منهم خيرا، لكننا اعتقدنا أنهم أذكى من الإفصاح عن شرهم بهذه السرعة. عام 2013 شهد سقوط الإخوان عن السلطة التى وصلوا إليها لأول مرة. وآخر مرة. ولو لم يحدث فيه على المستوى العام سوى هذا لكفاه. لو سقط عام 2013 من التاريخ لربما كنا الآن أقرب عاما إلى إيران، أو باكستان. لكان بعض ممن لا يختلف سلوكهم عن سلوك مخبرى أجهزة الاستخبارات فى أوروبا الشرقية لا يزالون يحاضروننا عن الحريات والحقوق. ولا يزال أصدقاؤهم «الذين يحاضروننا عن الموضوعية والنزاهة»، يخشون من انتقادهم، حتى لا يلتفتوا إليهم وينالهم نصيب من الشتائم. (أى صورة لدولة يكون هؤلاء نخبتها!!). التغيرات التى حدثت فى عام 2013 ستجعله عاما مفصليا فى تاريخ مصر، تماما كما كان 2011، العام الذى افتتح ب«ثورة يناير». نميل أحيانا إلى النظر فى التاريخ مشغولين بإطلاق الأحكام. لكن التاريخ ليس قضية إخلاء مرفوعة فى محكمة، إن صدر الحكم لصالحنا بقينا فى الشقة وإن لم يكن خرجنا منها، أو العكس. التاريخ ليس نزاعًا قضائيا على قطعة أرض. التاريخ لعبة، لن تتغير نتائجها إلا بما يبذله اللاعبون فى أثناء المباراة. فى عام 2013 نفذ الشعب المصرى جملا تكتيكية، بعضها هجمات مرتدة خاطفة، وبعضها هجمات منظمة ضد دفاع متكتل. هل حسمت النتيجة؟ لا. لكننا أحرزنا أهدافًا. هل الوضع مطمئن؟ لا. لكنه يبعث على الأمل، لمّا الشوط الأول ينتهى واحد واحد أحسن بكتير جدا من لما ينتهى 3 / صفر. هل نستطيع أن نتنبأ بالنتيجة النهائية؟ لا. عندنا ثغرات كثيرة فى النظام، ونقاط ضعف فى مراكز رئيسية، وضعف فى اللياقة البدنية لدى بعض اللاعبين، وفوق ذلك كله نحن لا نلعب فى الفراغ، لأن الخصم لا يزال يهاجم، ميدانيا، وفكريا، وإعلاميا. ولا يزال يعمل على أكثر من جبهة، ولا يزال ينشر بعض جمهوره فى أوساط جمهور فريقنا لنشر الإحباط، وتذكير اللاعبين بمشكلاتهم بينهم، وكل فترة يتعمد الهتاف الشخصى ضد لاعبة أو لاعب فى فريقنا، لكى يهزمها نفسيا، ويجعلها تطلب الخروج. شوط جديد فى تاريخنا سيبدأ. ونحن لسنا مانشستر يونايتد ضد فريق إسكو. نحن فرق كثيرة، متنوعة، لكنها جميعا فى مستوى الدورى عندنا، صناعة محلية زى ما بيقولوا. ومهما قارنّا أحسنها بالدورى الإنجليزى مثلا مش هتفرق، لأن الارتقاء إلى مستوى الدورى الإنجليزى محتاج إلى دأب، وسياسات زى سياسة الدورى الإنجليزى، ولعيبة زى لعيبة الدورى الإنجليزى، وتدريب زى تدريب الدورى الإنجليزى، ودا مش بيحصل فى شهر ولا شهرين، دا محتاج سنين. متخليش حد يخدعك بغير كده، ويعمل نفسه متباكى على «الكفاءة»، لأن كلنا عارفين الفرق. بعض التباكى غرضه الإصلاح، وبعض التباكى غرضه الإحباط. حاليا بنلعب بالموجود، وبنحاول نحسن.. معندناش غير كده. المستوى العام أثر -بالنسبة لى وأكيد بالنسبة لكل واحد فينا- على قرارات شخصية. وأنا باشوف الخصم الإرهابى بيجمع ناس من اتجاهات مختلفة ويعمل مشاريع فى الإعلام، بينما المواطنون المصريون العاديون أمثالى أَسرى لدعاية تفريقية، غرضها الحيلولة دون أى جهد مشترك، يقدم إعلامهم. وأنا باتكلم عن الإعلام لأنه مجال شغلى. يعنى «الجزيرة» تشتغل بناس من مختلف الاتجاهات كلهم بيخدّموا على الإسلامجية، وبيطلعوا مشروع إعلامى لندنى كبير، وبينفقوا على صحف مصرية بيشتغل فيها ناس من كل جهة.. كل دا ماشى. إنما إحنا -المواطنين- نقعد نقطع فى فروة بعض، ونتخانق على الماضى. والنتيجة إن همّ اللى يشتغلوا. فى عام 2013 لم تنطلِ علىّ هذه الحيلة الساذجة. دا كويس. فيه نقطة واحدة بس مزعجة شوية. إن دا آخر مقال لى ككاتب متفرغ فى جريدة «التحرير»، زى ما كان الحال من ساعة ما طلعت فى يوليو 2011. أتمنى إنى أعود لنشر مقالاتى فيها قريبا لما أبدأ أكتب مقالات فى شغلى الجديد (ودا برضه باتمنى يكون انعكاس لروح لا تقف فيها التنافسية أمام التعاون الذى لا يضر حظوظ المتنافسين). أنتظر تمنياتكم بالتوفيق. وأشكر الناس اللى استحملتنى وشجعتنى على مدار أكثر من سنتين، وأشكر زملائى فى الجريدة، وعلى رأسهم رئيس تحريرها الأستاذ إبراهيم عيسى، نلتقى على خير.