العدد الأسبوعى من الأهرام نشر «الجزء الثالث» من حواره مع الأستاذ محمد حسنين هيكل، نشره على ثلاث صفحات. قتلت من وقتى نصف ساعة كاملة، ولم أخرج منها بجملة مفيدة ولا معلومة جديدة. يسألونه عن سوريا فيقول إن ما يحدث هناك لا معقول، والتدخل الأجنبى لا مقبول، ولا يمكن أن نحل اللا معقول باللا مقبول. لكنه لا يخبرنا ماذا يجب أن نفعل. كقارئ، لا أريد ألعابا لغوية ولا دروسا فى علم الكلام. أريد رؤية من بنود واضحة. المعارض السورى يريد أن يفهم الخيارات المتاحة أمامه. من مكتبه ذاك، يقول، يستطيع أن يرى خرائط تتغير، ويسميها سايكس بيكو الثانية. يسألونه عن الخرائط فيسهب فى الحديث عن سايكس بيكو الأولى، بل (يا لجبروتك يا شيخ!) يبدأ فى سرد حوار دار عام 1917 بين رئيسى وزراء فرنسا وبريطانيا. استيقظ يا أستاذ، نحن نتحدث عن 2011، ونريد رأيك عن «سايكس بيكو الثانية» فى ظل العالم المختلف الذى نعيش فيه. يستيقظ الأستاذ ويتحفنا بجملة مرسلة يقول فيها إن التقسيم الحالى تقسيم موارد لا تقسيم خرائط. كأن هذه معلومة جديدة! يقول إن نفط ليبيا جرى توزيع امتيازاته فعلا: شركة فرنسية حصلت على 30٪، بينما حصلت شركة النفط البريطانية «بريتيش بتروليام» على 20٪ والباقى لا تتوافر له معلومات عنه. هل فى هذا شىء جديد؟ من كان صاحب امتيازات التنقيب قبل سقوط القذافى يا «أستاذ»؟ ربما تنبئ الأيام عن كوارث بسبب التدخل الأجنبى، لكن المؤشرات التى يسوقها «الأستاذ» قديمة، ولم تتغير. ولو بحثت عن امتيازات التنقيب فى البلاد العربية الأخرى ستجد نسبا متشابهة. يسأله المحاور: إذا كان القذافى عومل كأمير مدلل يطلب وده الكثيرون، إذن لماذا انقلب الغرب عليه؟ ويرد الأستاذ هذه الإجابة التى أنقل الجزء الأول منها بنصه وأطلب ممن يفهمه أن يرسل إلىّ شرحا: «فجأة وقعت وتوالت أحداث الربيع العربى، ووصلت أصداؤها إلى كل مكان، وبالطبع ليبيا، ثم بدأنا نسمع عن تحركات فى بنغازى، لكنه كان باديا أنها ما زالت إشارة وعلامة، بعدها طريق شاق يتعين السير فيه، ولا يمكن القفز عليه، لكن هناك من قفز!». الأستاذ يُسأل عن «الربيع العربى» وهل هو نهاية مشروع عربى قديم أم هو «تنقيح له»، فيجيب: «ما نراه الآن هو إزاحة وتصفية وكنس بقايا وعوالق مشروع نظام عربى، حاول عدد من رواد النهضة فى هذه الأمة أن يبشروا به... وقد تبدى فى بعض سنين الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين أن هذا المشروع العربى قابل للبقاء وقابل للنجاح...». هل تستوعب معى؟ الربيع العربى هو كنس للمشروع العربى النهضوى! هذا أولا. ثانيا: أين هذا المشروع؟ لقد انتهى من السبعينيات، أى منذ أكثر من ثلاثين سنة، قبل مولد تسعين فى المئة من شباب الثورة. لكنه بالنسبة إلى الأستاذ حاضر، فهذا هو الزمن الذى يعيش فيه. هذه التعليقات المستقاة من كلام «الأستاذ» نفسه. لا مجال لتعليقى الخاص على موقف هذا المشروع من الحريات السياسية ومن القضاء ومن الإعلام وعلى مسؤوليته عما نعيش فيه.. فهذا حديث آخر. مقالى هذا ليس ذما فى شخص، إنما ذم فى قيم تأليه البشر وتقديسهم وتفخيم كل ما يصدر عنهم حتى لو لم يكن ذا وزن حقيقى. إن هذا ذم فى كلام القهاوى وحكمة المتحذلقين التافهة، التى تعبر عن بديهيات وتضعها فى قالب من الألفاظ الأجنبية وبعض النوادر والطرف والحواديت لكى توحى بأنها ذات قيمة وأن معرفة القائل بها معرفة عميقة ملمة بتفاصيل التفاصيل. الشىء الوحيد ذو القيمة فى زماننا هذا هو تقديم رؤية جديدة ومختلفة وفيها بعض الإبداع، وهذا أبعد ما يكون عن «الأستاذ».