يراودني الشك كلما سمعت عن انشقاقات داخل جماعة الإخوان المسلمين، وذلك منذ أن بدأت في دراسة تاريخ هذه الجماعة وتغطية أخبارها كصحفي منذ سنوات طويلة. وكانت التجربة التي عايشتها عن قرب تمثلت في محاولة مجموعة من شباب الإخوان، في ذلك الوقت، تشكيل حزب الوسط في التسعينيات من القرن الماضي. وقيل وقتها إن مجموعة المهندس أبو العلا ماضي ومن معه كعصام سلطان استقالوا من الجماعة بعد رفض الشيوخ مطلبهم بتشكيل حزب. ومع رفض السلطات المتواصل في ذلك الوقت تشكيل الحزب، لم يكتسب "الوسط" الصفة الرسمية سوى بعد ثورة 25 يناير، وتماهت مواقفه تماما مع مواقف جماعة الإخوان المسلمين، ولو بناء على قاعدة أن "الدم بيحن". ولم تبخل الجماعة بدورها في الإغداق على الحزب "الشقيق" ونال قادته مناصب محترمة ووزارات. وعندما اقتربت مظاهرات 30 يونيو، عاد حزب الوسط لأصوله وانحاز تماما لقيادته التاريخية ومرشد الإخوان. هذه المقدمة بمناسبة الانشقاق الأخير الذي تم إعلانه في صفوف الجماعة بين قيادات "الداخل" و"الخارج"، وإعلان القيادة فرع "الداخل" عن نيتها القيام بمراجعة كاملة لمواقف الإخوان منذ ثورة 25 يناير وما ارتكبوه من أخطاء على مدى السنوات الست الماضية. وكانت قيادة الشيوخ قد رفضت وبتصميم وعناد إجراء أي مراجعات فكرية، والتمسك بأنهم تعرضوا للغدر والخيانة ورفضوا نقد الذات. ومع استمرار التضييق على الجماعة ومصادرة أموالها وحبس الآلاف من أعضائها، وشعور القيادة التاريخية العجوزة للجماعة بالحاجة لإصلاح علاقتها مع الأحزاب والجماعات التي صمدت في ميدان التحرير وآمنت بثورة يناير، كان أقصى ما ذهب إليه بعض قادة الجماعة هو القول بأن "الجميع أخطأ" ولا يمكن مطالبتهم وحدهم بنقد الذات. وإذا كان لنا أن نصدق أن الجماعة تمر بانشقاق حقيقي بلغ حد تبادل الاتهامات بتسليم القيادات للأمن لاعتقالهم، أو حتى اغتيالهم، كما حدث مؤخرا مع القيادي الموصوف بالمتشدد محمد كمال، فإن المراجعة يجب أن تشمل الأسس التي قامت عليها جماعة الإخوان قبل نحو مائة عام، والإقرار بأن ما كان يصلح منذ قرن من الزمان، لا يمكن قبوله الآن. ولعل أول المراجعات المطلوبة من الجماعة هو التخلص من فكرة أنهم أصحاب الحق الحصري في الدفاع عن الإسلام، وأن هدفهم هو دنيوي سياسي كبقية الأحزاب والجماعات السياسية القائمة في مصر على قدم المساواة. فإلصاق صفة "المسلمين" باسم الجماعة لا يجب أن يعني مطلقا أنهم فقط هم "المسلمون" ومن عداهم كفار، وأن يتم التعبير عن ذلك عن طريق الممارسة وليس مجرد ترديد الكلمات والمزاعم أنهم لم يدعوا يوما الحديث باسم الدين. فممارسات الإخوان خلال العام الذي قضوه في الحكم، وقولهم إن انتصارهم "رباني" حتى لو كان جاء عن طريق صناديق الانتخاب كفيل بمفرده لنسف أي مزاعم سيرددونها على أنهم مجرد جماعة لها وجهة نظر تتساوى مع الجميع. كما لم يعد يليق أن يتم تعيين "المرشد العام" للجماعة عن طريق "البيعة" لأن هذه الطريقة غير منصوص عليها في أي من القوانين المعمول بها لتنظيم الجماعات السياسية، وغير مقبول مطلقا ذلك الزعم المتواصل من قادة الجماعة أنهم جماعة "دعوية" ويطلبون مساواتهم في هذا الشأن بالكنيسة القبطية التي لا يتدخل أحد في شئونها ولا طريقة اختيار البابا سوى القائمين على شأن الكنيسة فقط. فجماعة الإخوان لا تماثل الكنيسة القبطية، ولكنها جماعة سياسية تهدف للوصول إلى الحكم، وليس هذا هو حال الكنيسة، مع الوضع في الاعتبار أن هناك مسيحيين علمانيين يرفضون أصلا أن تكون الكنيسة هي من تمثلهم في الشئون السياسية. ومن غير المعقول ولا المقبول بعد مائة عام أن يستمر استثناء السيدات والفتيات والأخوات من أعضاء الجماعة من المشاركة في الانتخابات الداخلية الخاصة بهم أو الترشح للمناصب القيادية. ومن ضمن أحد الفوارق المميزة للإخوان عن بعض الجماعات السلفية أن الإخوان يشجعون على تعليم المرأة، والكثير من الأخوات متفوقات ومتعلمات وسيدات عاملات. وبالتالي، فإن الاستمرار في استبعاد النساء من الترشح هو مخالف للدستور والقانون أساسا. وبذكر الدستور والقانون، فالجماعة مطالبة بالإقرار بوضوح أنه لا يوجد على رأسهم ريشة، وأنهم يقبلون التعامل معهم كأي جماعة سياسية من ناحية خضوعهم للرقابة المالية من قبل الأجهزة المختصة التي تتابع شئون الأحزاب، أي الجهاز المركزي للمحاسبات. وغير مقبول مطلقا أن يكون محظورا على الأحزاب السياسية تلقي أي تبرعات مالية من جهات غير معلومة المصدر داخل وخارج مصر، بينما تنهال الملايين على مكتب إرشاد الجماعة من مختلف أرجاء العالم ومن دول الخليج الغنية من دون أن يحاسبهم أو يراجعهم أحد. وغني عن القول طبعا ضرورة التخلي التام عن أي تنظيمات فرعية سرية للجماعة يكون لها، سواء من قريب أو بعيد، صبغة عسكرية، حتى لو زعموا أنهم فقط يقومون بتدريب أبنائهم على السباحة وركوب الخيل والكاراتيه وفنون الدفاع عن النفس. ولقد نال معارضو الإخوان ما يكفيهم من تلك الميليشيات غير العسكرية التابعة للجماعة سواء أمام مقر البرلمان في مطلع العام 2012، أو أمام قصر الاتحادية في أعقاب إصدار الإعلان الديكتاتوري الذي استولى بموجبه الإخوان على الحكم وكتبوا الدستور بمفردهم وعينوا النائب العام الملاكي الخاص بهم. لو أقر الإخوان بأن مصر دولة مدنية ديمقراطية حديثة تقوم على التعددية، وتخلصوا من أطر السرية المفرطة التي اعتادوا عليها منذ تشكيل الجماعة قبل مائة عام، وتعاملوا مع المرأة على أنها مواطنة متساوية الحقوق، وكشفوا بشفافية عن مصادر تمويلهم التي سمحت لهم بافتتاح أكثر من مائة فرع خلال أقل من شهر بعد ثورة يناير، يمكننا تصديق ولو جزئيا أن هناك جيلا جديدا شابا من الإخوان يرغب الاندماج في المجتمع ويعترف بأخطاء السنوات الست الماضية.