إن 2013 لهو أسوأ عام لأوباما ولواشنطن العاصمة الأمريكية بسببه. هذا الأمر يتحدث عنه أغلب المراقبين فى تحليلهم وتفسيرهم لسجل أوباما وعجزه وتخبطه فى إدارة دفة الأمور فى البلاد. وجاءت «واشنطن بوست» فى عددها الأسبوعى الأحد الماضى لتقولها بكل وضوح وصراحة: لماذا أوباما شخصية العام الأسوأ لعام 2013 أو كان 2013 العام الذى أضاع فيه أوباما الأمل. فأغلب استطلاعات الرأى تشير إلى تراجع شعبيته وتدهور مصداقيته وعدم الرضا عن أدائه «49 في المئة مقابل 45 في المئة» وانخفاض ثقة الأمريكيين تجاهه حتى مع الشباب من «جيل الألفية» الذى تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا، فضلًا عن مشاعر الشعوب الأخرى و«خيبة أملهم الكبرى» في باراك حسين أوباما. وإذا كان فى الداخل مشروع الرعاية الصحية والموصوم ب«أوباماكير» «أحرجه أشد الحرج» و«حاصره أسوأ حصار» فإن تحديات الخارج رغم كل المبادرات والانخراطات المعلنة عنها تمثل هاجسًا وكابوسًا يطارد أوباما وإدارته سواء كان فى سوريا أو فى أفغانستان أو فى إيران أو فى العراق أو فى ليبيا أو فى أوكرانيا وبالطبع فى مصر أيضًا، والقائمة تطول وإن كان صبر الشعوب مهما طال محدودًا وله حدود، ولا يمكن اللجوء إليه دائمًا أو الاعتماد عليه إلى الأبد. وفى الأيام الأخيرة مثلما كان الأمر منذ فترة لم يتوقف الحديث عن «تجسس» وكالة الأمن القومى «NSA». وتتزايد الشكوك تجاه تنصتها على المكالمات الهاتفية داخل وخارج أمريكا على السواء وإدارة أوباما ما زالت مترددة فى حسم الأمور بهذا الملف الخطير. كما أن حالة العجز والارتباك لم تتبدل حينما يتعامل أوباما مع الأزمة السورية ويتم تكرار تأكيد إدارته على «أن سوريا المستقبل ليس فيها الأسد». كما أن أوباما يحاول جاهدًا إتمام الصفقة الإيرانية رغم اعتراض إسرائيل وهواجس الخليج. وفى كل الأحوال فإن أوباما «كما يكرر منتقدوه» يتعامل مع القضايا «عن بُعد» و«لا يتقدم الصفوف» و«لا يقدم على المبادرة» مع الأزمات في العالم. وخلال السنة الماضية بالتأكيد فشل فى التواصل مع الكونجرس لإقرار قوانين وأحكام يمكن أن تتحقق من خلال «لعبة السياسة». ويذكر هنا أن عدد القوانين التى تم إقرارها من جانب الكونجرس لم يزد على 55 قانونًا فقط خلال العام المنصرم. ولعل أكبر كذبة في عام 2013 اتُهم بها أوباما -حسب آراء المعلقين- كانت ما قاله الرئيس الأمريكى عن برنامج الرعاية الصحية و«إنك إذا كنت راضيًّا عن ما لديك من برنامج للرعاية الصحية يمكنك الاحتفاظ به» واتضح فى ما بعد أن الأمر لم يكن كذلك. بالمناسبة يوجد بصحيفة «واشنطن بوست» محرر مرموق اسمه جلين كيسلر هو الذى وضع كذبة أوباما على رأس قائمة أكاذيب 2013. وكيسلر مهمته الأساسية أن يقدم فى صحيفته بشكل منتظم كشف حساب لما قيل كذبًا فى عالم السياسة ومن قاله؟ وما الحقيقة؟ مدققًا فى المعلومات ومقارنًا الأكاذيب بالحقائق. وكل ذلك خدمة للقارئ والمواطن. وكل هذا يحدث فى المشهد السياسى والرئيس الأمريكى يستعد حاليًّا لتمضية إجازة الأعياد مع أسرته بعيدًا عن البيت الأبيض وواشنطن. أعضاء الكونجرس فى مجلس الشيوخ يستعدون لمغادرة المدينة مع نهاية هذا الأسبوع، بينما زملاؤهم في مجلس النواب أخذوا الخطوة إياها منذ أكثر من أسبوع. وهذا العام أيضًا سيذهب الرئيس أوباما ومعه أسرته إلى هاواى لقضاء فترة أعياد الكريسماس ورأس السنة هناك. وهاواى هى مسقط رأسه. وحسب ما أعلنه البيت الأبيض فإن الرئيس سيغادر واشنطن إلى هونولولو مساء الجمعة المقبل. ولم يتم الإعلان عن تاريخ رجوعه من هناك وإن كان من المرجح أن يمضى الرئيس الأيام الأولى من السنة الجديدة أيضًا في هاواى. وكان أوباما قد اضطر أن يقطع إجازته العام الماضى بسبب نزاع سياسى حدث مع رجال الكونجرس من الجمهوريين حول ما وُصف وقتها ب «الهاوية المالية». والإجازة المقبلة ستكون سادس فترة أعياد يمضيها الرئيس مع عائلته كعادته فى مسقط رأسه. وكما تم الإعلان منذ أيام بأن الرئيس الأمريكى أوباما سيلقى خطاب «حالة الاتحاد» أمام مجلسى الكونجرس يوم 28 يناير المقبل، وهو الخطاب الذى يقدم فيه للأمة كشف حساب لما تم إنجازه فى العام الماضى وأجندة ما سوف يتم تحقيقه فى العام المقبل. وما لفت اهتمام أهل واشنطن فى الأيام الأخيرة أن من يتم تسميتهم ب «جيل الألفية» (من تتراوح أعمارهم ما بين 18 و29 سنة) يقال إنهم «فقدوا حماسهم» أو «أصابهم الإحباط» تجاه أوباما، وبالتالى فقد الرئيس الحالى تأييدهم له ولسياساته، إذ حسب استطلاع للرأى قام به مركز «بيو» للأبحاث بالتعاون مع صحيفة «يو. إس. إيه. توداى» فإن 45 في المئة فقط منهم ينظرون برضا نحو أوباما (و46 في المئة بعدم الرضا). بالمناسبة نسبة الرضا في بداية العام كانت 65 فى المئة. وهذا التراجع يسبب قلقًا لفريق الرئيس من خبراء التواصل مع المجتمع الأمريكى لأن هذه الفئة العمرية تحديدًا لعبت دورًا مهمًّا ومميزًا ومؤثرًا في تأييد سياسات الرئيس والوقوف معه فى فترة ولايته الأولى وأيضًا انتخابه لولاية ثانية. وكما جرت العادة في هذا الوقت تتم «عملية الجرد السنوى» و«تقديم كشف الحساب» و«إجراء حصاد العام». وهذا ما أجراه الكاتب السياسى كريس سيليزا فى رصده لأسوأ عام عاشه أوباما مرتبكًا بقراراته ومرتكبًا لأخطائه، مما تسبب فى ضياع فرص كانت كافية لتشكيل إرثه السياسى. وهذا الإرث عادة يتكون فى الولاية الثانية. وهذا هو ما كتبه سيليزا فى المقالة المطولة التى نشرتها «واشنطن بوست» حول أوباما والأسوأ فى العام الذي مضى. وكرصد لأهم التواريخ والأحداث التى ارتبطت بعام 2013 بالنسبة لأوباما ذكر سيليزا: «في 16 يناير الماضى كشف أوباما عن أجندة خاصة فى منع الأسلحة وانتشارها داخل أمريكا. وبالطبع شجبها الجمهوريون على أساس أنها تعد انتهاكًا للمادة الثانية من الدستور الأمريكى، أما فى الأول من مارس بعد أن فشلت المفاوضات مع الكونجرس فقد تم بدء العمل بتقليص بنود والمخصصات المالية في الميزانية العامة، وفى 10 مايو اعترفت هيئة الضرائب الأمريكية بأنها استهدفت جماعات منتمية لحزب (الشاى) استعملت آليات ومزايا الإعفاء الضريبى. أما يوم 5 يونيو فقد تم بدء كشف النقاب عن حكايات وفضائح وكالة الأمن القومى الأمريكى في التجسس. ثم كانت كلمة أوباما يوم 10 سبتمبر عن الحرب الأهلية فى سوريا واستخدام السلاح الكيماوى، وجاء يوم الأول من أكتوبر ليبدأ معه الإغلاق الحكومى وينطلق أيضًا الموقع الإلكترونى للرعاية الصحية الشهير ب(أوباماكير). والمعروف أن الإغلاق الحكومى انتهى بعد 16 يومًا أما مشكلات ومصائب وتعقيدات و(لوغاريتمات) (أوباما كير) فما زالت قائمة وانهكت الإدارة سياسيًّا وماليًّا وإعلاميًّا وجماهيريًّا. وتحاول الإدارة أن تتعافى منها في الوقت الحالى». وبما أن استطلاعات الرأى بشكل عام تعكس المزاج العام واختياراته وتوجهاته، فقد أُجرى أخيرًا استطلاع للرأى قام به مركز «بيو» للأبحاث بالتعاون مع مجلس العلاقات الخارجية للتعرف على و«جس نبض» رأى الأمريكيين تجاه دور أمريكا القيادى ونفوذها فى العالم. وقد اتضح من هذا الاستطلاع أن 52 في المئة منهم يتفقون على أن الولاياتالمتحدة يجب أن تترك الدول الأخرى في أن تختار ما تريده. وفقط 38 فى المئة لا يتفقون مع هذا الرأى. وكشف أيضًا الاستطلاع أن 18 فى المئة فقط من الأمريكيين يرون أن دعم الديمقراطية فى الخارج أولوية سياسة خارجية. وبالنسبة للاستقرار أم الديمقراطية فى الشرق الأوسط فقد رأى 63 فى المئة من الأمريكيين أن الحكومات المستقرة أكثر أهمية حتى لو وجدت ديمقراطية أقل فى المنطقة. أما تفضيل الديمقراطية فقد انخفض نسبة المؤيدين له من 52 فى المئة عام 2011 و54 فى المئة عام 2012 إلى 28 فى المئة فقط فى الاستطلاع الأخير (2013). وبما أن الحديث يدور حول الرأى المتنامى بأن يتم ترك دول العالم تدير شؤونها بنفسها وأن هذا يعد انعزالية، قال ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية: «هذا ليس دليلاً على الانعزالية كما يصر البعض على توصيفه، بل على الواقعية أو التعامل الواقعى مع شؤون العالم وشعوبه، وأيضًا على تنامى الشعور العام بأن على أمريكا ألا تتدخل فى حياة الآخرين ولا تحاول أن تغير طبيعة شعوب العالم واختياراتها ولا تحاول أن تتدخل وتفرض رأيها». مع بدء العد التنازلى .. لانتهاء العام المنصرم أو بدء العام المقبل. الكل يتساءل عن ما تريد أن تفعله واشنطن أو تستطيع أن تفعله. وهل أخطاء الماضى تؤخذ فى الحسبان؟ خصوصًا أن عدم تكرارها ضرورة، وحتمية لا مفر منها. العالم كله يترقب ويراقب ويتابع ما تفعله واشنطن .. وما لا تفعله أيضًا! 52% من الأمريكيين يتفقون على أن الإدارة الأمريكية يجب أن تترك الدول الأخرى فى أن تختار ما تريده