وفق مشروع دستور البلاد المعدل الذى سيجرى الاستفتاء عليه فى الأسبوع الأول من شهر يناير المقبل، يبدو النظام السياسى المصرى أقرب إلى الرئاسى منه إلى أى نظام آخر، فهو نظام يتولى فيه رئيس الجمهورية رئاسة السلطة التنفيذية بموجب المادة «139» التى تنص على أن «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورئيس السلطة التنفيذية، يرعى مصالح الشعب ويحافظ على استقلال الوطن ووحدة أراضيه وسلامتها، ويلتزم بأحكام الدستور ويُباشر اختصاصاته على النحو المبين به». لم تنص هذه المادة على تقاسم السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ولا نصَّت على مشاركة رئيس الوزراء لرئيس الجمهورية فى ممارسة السلطة التنفيذية، ومن هنا فإن النظام السياسى المصرى الذى يؤسسه الدستور الجديد هو نظام رئاسى، يمارس فيه رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، وهو الذى يكلف الحكومة ويعفيها، وذلك بموجب نص المادة «146» من مشروع الدستور الجديد التى تنص على «يكلِّف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجها على مجلس النواب». فهذا النص فى ذاته يعنى أننا أمام نظام رئاسى، فرئيس الجمهورية يكلف رئيسًا لمجلس الوزراء دون قيود، فلا قيد عليه عند اختيار الشخص المكلف. ويمكن القول تجاوزا إن النظام أقرب إلى الرئاسى فى حال عدم حصول الحكومة على ثقة البرلمان، فحسب نص نفس المادة «إذا لم تحصل الحكومة على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يومًا على الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب». هذا النص يعنى أن رئيس الجمهورية مجبر بالدستور على قبول ترشيح الحزب الفائز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان، وهو نص يجعل النظام شبيهًا بالمختلط الذى يجمع ما بين سمات النظام البرلمانى والنظام الرئاسى، ففى النظام البرلمانى يكلف الرئيس زعيم الحزب الفائز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان بتشكيل الحكومة وإذا فشل يكلف الرئيس زعيم الحزب التالى له فى عدد المقاعد البرلمانية، وأما فى النظام الرئاسى فالرئيس يكلف الشخص الذى يراه بتشكيل الحكومة بصرف النظر عن نتائج الانتخابات البرلمانية. ومن هنا فإن نصوص مشروع الدستور الجديد منحت رئيس الجمهورية حق اختيار الشخص الذى يراه ويكلفه بتشكيل الحكومة دون النظر إلى نتائج الانتخابات البرلمانية، وهو هنا يعتمد النظام الرئاسى، وإذا لم يحصل رئيس الوزراء المكلف على ثقة البرلمان يلتزم الرئيس بتكليف زعيم الحزب أو الائتلاف الحاصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان بتشكيل الحكومة.. ماذا يعنى كل ذلك عمليًّا؟ يعنى أولًا أن عملية تشكيل الحكومة فى مشروع الدستور الجديد لن تكون سهلة، بل يمكن أن تكون محلا لصراع مستمر بين الرئيس والبرلمان، ويمكن أن تصيب النظام بالشلل التام، ويحدث ذلك فى حال عدم قدرة الرئيس وأحزاب الأغلبية فى البرلمان على التفاهم حول تشكيل الحكومة، فنفس المادة «146» تقول «فإذا لم تحصل حكومته على ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يومًا، عُدَّ المجلس منحلًّا ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد خلال ستين يومًا من تاريخ صدور قرار الحل. وفى جميع الأحوال يجب أن لا يزيد مجموع مُدد الاختيار المنصوص عليها فى هذه المادة على ستين يومًا. وفى حالة حل مجلس النواب، يعرض رئيس مجلس الوزراء تشكيل حكومته، وبرنامجها على مجلس النواب الجديد فى أول اجتماع له. وفى حال اختيار الحكومة من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، يكون لرئيس الجمهورية، بالتشاور مع رئيس مجلس الوزراء، اختيار وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل». ما يعنينا من هذا النص هو تأكيد صعوبة تشكيل الحكومة فى النظام المصرى الجديد، لا سيما فى حال صعوبة تحقيق التفاهم بين الرئيس والأحزاب الممثلة فى البرلمان والتى تملك الأغلبية. وفى هذا السياق إذا ما جرت الانتخابات البرلمانية أولًا ورفض البرلمان منح ثقته للحكومة، وفشل هو نفسه فى تشكيل حكومة من قبله، يعدّ البرلمان منحلًّا، وهنا تطول المرحلة الانتقالية ويبقى الرئيس المؤقت فى موقعه وتجرى انتخابات برلمانية جديدة قد لا تأتى بجديد ومن ثم تستمر الأزمة، لكل ذلك يبدو مهمًّا إجراء الانتخابات الرئاسية أولًا حتى يكون لدينا رئيس منتخب من الشعب يشكل حكومة قوية أولًا، ثم يشرف على الانتخابات البرلمانية وبعدها يقدم حكومته للبرلمان ويسعى إلى نيل ثقته، وفى حال الفشل سيكون لدينا رئيس منتخب وحكومة.