لو تخيلت نفسك إنسانة غريبة، لا تنتمين إلى الإسلام ولا حتى إلى غيره من الأديان المعروفة. إنسانة غريبة تماما. قادمة من المريخ فى سفينة فضاء الساعة 12، والساعة دلوقتى 12 وخمس دقايق. ثم نظرت حولك. هل سيعجبك مظهر الإسلامجية وطريقة كلامهم؟ ربما. ربما تشعرين أنهم أقرب الكائنات إليك، فهم أيضا يبدون فى هذا العالم، فى هذا العصر، كالأغراب. كأنما لا ينتمون إلى نفس الحضارة التى أفرزت باقى البشر. لكن الغالب أنك ستفهمين من مقارنة مظهرهم بمظهر غيرهم من بنى البشر أن هذا المظهر ليس الأفضل على الإطلاق، الإبداع فيه قليل، والتقليد فيه غالب، والذوق الفنى يكاد يصل إلى الصفر. لكن المظهر لا يهم، ستقولين لنفسك، المهم المضمون. وهنا أيضا ستفاجئين بأن الإسلامجية لا يقدمون لأفعالهم إلا منطقًا واحدًا لا ثانىَ له، هكذا قال الله ورسوله. ستتسائلين، وهل يعنى هذا أن يلغى الناس منطقهم وأن تبقى البشرية على نفس طريقة التفكير، بحذافيرها، كما نزلت منذ 1400 سنة؟ أم أن هناك قصورًا فى طريقة تفكير هؤلاء الناس بالذات تجعلهم يقدمون مضمونا فاشلا، لا يصلح للتعامل مع أى قضية، بل يرتبط دائما بخراب الدول التى بشروا بأنها ستكون دولا نموذجية؟ سأتركك مع خيالاتك ومع مهمتك الكونية، وأكمل أنا مقالى، أكل عيشى. إن كان الإسلامجية لا يقدمون مظهرًا جذابا، ولا يقدمون مضمونا جذابا، فلماذا نفترض أن كتابتهم عن النبى محمد جيدة. لماذا لا نختبر احتمال أن تكون كتابتهم عن النبى محمد بنفس رداءة سلوكهم ومضمونهم. وبنفس رداءة طريقتهم فى التفكير. وبنفس رداءة مواكبتهم لتطور معارف البشرية. وبنفس رداءة قدرتهم على فهم موطن العظمة. العظمة لا تعنى الكمال. أولا لأن الكمال غير موجود. هذا أول ما يتبادر إلى ذهنك. لكن الأهم هو السبب الثانى. أن الكمال نسبى. هل الصدق المطلق كمال؟ لماذا لا يكون استخدام درجة معينة من مهارات الكذب هو الكمال؟ هل الشجاعة المطلقة كمال؟ لماذا لا يكون التروِّى بدرجة معينة هو الكمال؟ أقصد لماذا لا يكون ما يحذفونه عن شخصية النبى محمد أقرب إلى العظمة مما يقدمونه؟ لماذا لا يكون ما يقدمونه مجرد أفعال تشابَه فيها مع كثير ممن سواه، بينما بعض ما لا يكترثون به أبلغ فى التعبير عن «عظمة» شخصيته؟ النبى محمد ولد فى ظل ظروف اجتماعية وطبقية مضنية. ولد فى بيت لم تبق له من الثروة والجاه ما يغرى مرضعة كحليمة السعدية بقبوله. ولولا أنها لم تجد رُضَّعًا آخرين وكرهت هى وزوجها أن يعودا بخُفَّى حُنين ما رجعت إلى بيت عبد المطلب لكى تأخذه. ولد يتيمًا فى ظل بيت تراجع اجتماعيا مع نمو أبناء عمومته من بنى عبد الدار أهل الفروسية، وبنى أمية أهل المال، واقتصار وظيفة بنى هاشم على الرفادة والسقاية للحجيج. ولم يكن له من المال الكثير. وظل حتى سن الخامسة والعشرين- وهى سن متأخرة جدا فى ذلك الوقت- لم يتزوج. وحين تزوج تزوج من امرأة تكبره بخمسة عشر عاما، هى التى خطبتْه. وقد اعترض أبوها على الخِطبة حينما أفاق فى اليوم التالى، على ما تقول بعض الروايات، فوقفت فى وجهه. هذا الشخص، فى ظل هذا الوضع الاجتماعى الصعب، يقود وهو فى سن الأربعين- فى سن الأربعين- رسالة تحمل الوحى السماوى للناس. وتهدد كل النظم الاجتماعية، والسلطوية، التى حوله، وتحمل الحنفية، دين إبراهيم، من عقيدة محدودة، يؤمن بها نفر قليل فى كل الجزيرة العربية، إلى الإسلام، دينًا للناس كافة. هذا الشخص، يجمع حوله المستضعَفين، وقلة قليلة جدًّا من الموسِرين، ويعاهد ويحارب، ليبنى أول دولة جامعة تعرفها تلك المنطقة، قريش وما حولها. وبالتالى يستحق أن يكتب عنه من هم أذكى وأكثر علمًا بالدنيا وأحوال البشر من شيوخ الفضائيات. ويستحق أن يرى الناس أفلامًا «حقيقية» عنه، وليس إعلانات دعائية. الجدل هنا ليس دينيًّا، الجدل إنسانى ومعرفى. يتعلق بالفارق بين معنى «الأخلاق العظيمة»، هل هى كروية ومراوغة؟أم أنها مستقيمة وواضحة؟ قاصرو التفكير يختارون الثانية غالبًا.. ما كانش حد غلب.