بعد انتهاء (مليونيات) مباراتى الأهلى ومنتخب مصر نخصص، بمشيئة الله، مقالات هذا الأسبوع للتعريف والتذكرة بأشهر معلقى مباريات كرة القدم فى مصر قديمًا وحديثًا. بالتأكيد البداية لا بد أن تكون مع محمد لطيف الذى أسهم بمجهوده كلاعب وحكم ومدرب وإدارى وأخيرًا كمعلق فى جعل كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى. هو المعلق الرياضى الوحيد فى العالم الذى شجعته جماهير المدرجات بهتافهم الخالد (وشك حلو يا لطيف). اشتهر معلقنا خفيف الظل بعبارات عديدة فى أثناء تعليقه، ومنها (الكورة اجوال)، (والدنيا كلها)، (يا شيخة خشى)، (نشكر مدير الأمن)، (يا عبط عاوزين يبوظولكم الماتش)، وكذلك صيحته الشهيرة (ياى ياى ياى). لا ننسى واقعته الشهيرة فى إحدى المباريات الدولية التى كان يحضرها مبارك الذى نزل إلى أرض الملعب لمصافحة اللاعبين وقبل عودته إلى المدرجات اتجه إلى كابينة التعليق لتحية الكابتن لطيف، الذى انفعل بشدة، وأخذ يصيح فى الميكروفون (والريس بيسلم عليا شخصيًّا)، بعدها نسى المباراة تمامًا لعدة دقائق، وانهمك فى سرد أهمية الرياضة والرياضيين وضرورة تكريم الدولة لهم. فى أواخر أيامه وبسبب تقدم العمر وضعف البصر ارتكب بعض الأخطاء فى أثناء قيامه بالتعليق إلا أن الجميع تقبلها منه بصدر رحب، بل وأضافها إلى رصيده من الفكاهة وخفة الظل.. ففى إحدى مباريات الأهلى والزمالك بدأ التعليق قائلًا: (الأهلى على يمينك وإحنا على شمالك)، وبالطبع كان يقصد ب(إحنا) نادى الزمالك، الذى ينتسب إليه! وفى مباراة للمنتخب المصرى فى أمم إفريقيا عام 84 سجلت مصر هدفًا فانفعل لطيف، وأخذ يردد (جول جميل.. جول جميل)، ثم سُمع صوته بوضوح وهو يسأل من بجواره: (هو مين اللى جاب الجول؟)، وكان الهدف بأقدام طاهر أبو زيد. يذكر لنا الكابتن لطيف أن بداية عشقه للتعليق كانت فى بريطانيا عندما كان يحضر إحدى المباريات فى الملعب، وكان يجلس قريبًا منة صحفى إنجليزى اسمه ريكس، كان يصف المباراة لمجموعة من المكفوفين، ومن شدة دقة الوصف تفاعل المكفوفون بشدة مع المباراة، وكانوا يقفزون ويهللون كأنهم يشاهدون المباراة بأعينهم! ولد محمد لطيف ببنى سويف عام 1910، وبدا تعلقه بكرة القدم مبكرًا عن طريق متابعته جنود الاحتلال الإنجليزى، وهم يمارسونها فى أرض فضاء بمنطقة القلعة التى نشأ فيها. استهل مشواره باللعب لفريق الكرة بمدرسة الخديوية الثانوية، وفيه لمعت موهبته فانضم إلى فريق المختلط (الزمالك لاحقًا)، حيث احتل مركز الجناح الأيمن، وللصدفة كانت أولى مبارياته ضد الأهلى، وفيها سجل هدف الفوز بعدها تم ضمه إلى منتخب مصر المشارك فى كأس العالم عام 1934، وهناك لعب أول مباراة رسمية لمصر فى المونديال، وكانت ضد المجر. بعد عودته من كأس العالم أوفدته وزارة المعارف إلى بريطانيا فى بعثة لدراسة التربية البدنية بكلية (جوردون هيل) بمدينة جلاسكو الأسكتلندية فاستغل الفرصة، واحترف فى فريق المدينة (جلاسكو رينجرز) ليصبح ثانى لاعب مصرى يحترف كرة القدم بعد حسين حجازى. اعتزل اللعب عام 1945، وعمل لفترة حكمًا للمباريات ثم مساعدًا لمدرب منتخب مصر الأول، بعدها تفرغ لعمله كمدير عام للنشاط الرياضى بوزارة المعارف حتى استقال ليلتحق بالعمل الإدارى فى اتحاد كرة القدم، وتدرج فى المناصب حتى وصل إلى منصب سكرتير عام الاتحاد ورئيس اللجنة الفنية. بدأت علاقته بميكروفون الإذاعة عام 1948 عندما تم انتدابه لتقديم تمارين الصباح اليومية بعدها شارك فى التعليق على مباريات كرة القدم بالتناوب مع محمود بدر الدين الذى توفى عام 1955 ليصبح لطيف هو المسؤول الأول والأوحد عن التعليق على كل المباريات. عندما بدأ الإرسال التليفزيونى عام 1960 شاهد الناس الكابتن لطيف الذى طالما أمتعهم بوصفه المميز للمباريات، الذى أضاف شعبية وشهرة أكبر للعبة بأسلوبه المميز والبسيط فى توضيح قواعدها وشرح قوانينها. توفى محمد لطيف عن عمر 80 عامًا، وكان له ابن هو المرحوم إبراهيم لطيف، الذى عمل مخرجًا تليفزيونيًّا للمباريات، أما حفيده فهو خالد لطيف عضو مجلس إدارة اتحاد كرة القدم.