السعودية وقطر تقومان بتربية أبناءنا الآن، ففى حين لا تمتلك مصر قناة أطفال واحدة يتابع أبناؤنا قنوات «إم بى سى ثرى» و«الجزيرة أطفال» و«طيور الجنة» وغيرها. يتعلمون الفصحى بلكنة خليجية، ويشاهدون برامج تقدمها فتيات سعوديات يتحدثن بعامية بلادهن، وهكذا، وبعد أن كانت لنا الصدارة وبعد أن كانت تليفزيونات العرب تشترى أعمالًا للأطفال باللكنة المصرية، صار أطفالنا الآن يتعلمون منهم ويتابعون إبداعتهم. ليس عيبًا أن تسعى أى دولة للسيطرة وغزو العقول، ولكن العيب أن نستسلم وتختلط علينا الأولويات ونستكين لكل ما هو مألوف ومعتاد كى نضمن تحقيق المكاسب فنفقد روح المبادرة والعقول المبدعة. لدينا عشرات من قنوات الأفلام والمسلسلات والرياضة والتوك شو، ولا أحد يفكر مجرَّد تفكير فى تخصيص قناة للأطفال، بل إن إنتاج مصر من أعمال الأطفال بلغ فى العامين الأخيرين صفرًا، وإذا كنت تعتقد أن ذلك بسبب الافتقار إلى المبدعين والفنانين فإن ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة، فمعظم القنوات الخليجية المخصصة للأطفال يديرها وينفذ معظم برامجها كُتَّاب ومخرجون ومحركو عرائس ورسامون مصريون، فلماذا لا يعملون هنا؟ الأطفال ليسوا على قائمة اهتمامات معظم رجال الأعمال المالكين للقنوات أو العاملين فى الإعلام، وبالتالى فلن تجد من يفكر أو يحاول أو يبذل أى جهد لتحقيق هدف مهم واستراتيجى وقومى كهذا، الكل يلهث خلف المطلوب والرائج، ويهمل الأساسى والضرورى والحتمى، وإذا كانت الحجة التى تُقال أن قنوات الأطفال مكلفة ولا تكسب، فإن هذا جهل خطير وكلام فارغ لا يصحّ أن يردده شخص يعمل بالإعلام ويعيش فى هذا العالم فى هذا العصر. إن التسويق العلمى الجيد بإمكانه أن يحقق مكاسب خرافية لأى منتج يستطيع أن ينفذ عمل أطفال ناجحًا ولو حتى نجاحًا محدودًا. أحد مسلسلات الكارتون الناجحة فى أمريكا تم استلهامه لتنفيذ لعبة على النت، هذه اللعبة قام بتحميلها أكثر من خمسين مليون شخص، وقد حققت فى العام الماضى فقط مكاسب تَعدّت نصف مليار دولار، وهذه فكرة ضمن مئة فكرة لمسلسل ضمن مئة مسلسل يمكن أن تقدمه قناة أطفال ناجحة، فإذا ما اعتقدت أن هذه أمريكا وهما حاجة واحنا حاجة وماتقارنّاش بهناك، إلى آخر هذه الحِكَم الرائعة، فأنا أنصحك أن تخطف رجلك وتذهب لزيارة كيدزانيا فى التجمع الخامس لترى كيف يمكن أن يكون إمتاع الأطفال عملًا مربحًا إلى أقصى درجة. أما عن التكلفة فقد أعددنا ميزانية لإنشاء قناة أطفال متميزة، وأحب أن أخبرك أن تكلفة مسلسل عادل إمام الجديد مثلًا تساوى ضعف تكلفة قناة للأطفال ببرامجها ومسلسلاتها وأفلامها، وربما حتى مبانيها.. ولكن إلى من تتوجة بالحديث؟ أقسام الرسوم المتحركة فى جامعات مصر ومعهد السينما يتخرج فيها مئات كل عام لينضمُّوا إلى طوابير العاطلين عن العمل أو يمارسون مهنًا أخرى لا تمتّ بصلة إلى تخصصاتهم، وعندما تبزغ موهبة فذة لدى أحدهم تحصدها دول الخليج وغيرها، ويتسمَّر أبناؤنا أمام قنواتهم ليل نهار، ولا نهتمّ فهم بالنسبة إلى كثيرين منا مجرد شوية عيال.