- الأطباء يخشون ذكر الواقعة.. ومدير المستشفى: لا نتحدث إلا بإذن «الصحة» بطل هذه القصة واحد ضمن كثيرين لاحقت «وصمة تعذيبهم حتى الموت» ظباط الشرطة.. إنه مواطن مصري يدعى مجدي مكين (51 عامًا)، ويعمل سائق عربة كارو، توفى داخل قسم شرطة الأميرية، الأحد الماضي، ونقل إلى مستشفى الزيتون التخصصي «جثة هامدة». «التحرير» ذهبت إلى هذه المستشفى الموجودة بمنطقة الأميرية، والتي يسير فيها العمل بشكل طبيعي جدا، ولا يبدو أي شيئ فيها غير مألوف، إلا عندما سألنا الأطباء عن مجدي مكين، وما حدث في «ليلة الأحد» الماضية. الدكتورة علياء عبد الحميد محمد، هى الطبيبة التي كانت متواجدة مع اثنين آخرين في ركن الحالات الحرجة بقسم الطوارئ بالمستشفى حين جاء ضابط وقوة أمنية لتسليم جثة مكين لها في نحو الساعة 3.30 صباحًا، لذلك هي من تولت فحصه، وأصدرت التقرير المبدئي أو ما يسمى داخل المستشفى ب«تذكرة المريض». ووفقًا لهذا التقرير الذي حمل توقيع الطبيبة والنيابة، «فإن مجدى مكين وصل المستشفى يوم 14/11/2016 جثة هامدة، ولا يحمل بطاقة رقم قومى، وتوجد بجثته خدوش على الجانب الأيمن من الرقبة وجروح بسيطة فوق العين اليمنى على الجبهة وخدوش على الساق قديمة، وتم وضع الجثة تحت تصرف النيابة العامة». لم يتسن لنا الوصول إلى علياء، لكن مصدر مسؤول داخل المستشفى – فضل عدم ذكر اسمه – أوضح أنها أبلغت بوجود شبهة جنائية في هذه الحالة، ما جعل المستشفى تبلغ النيابة لتضع الجثة تحت تصرفها، وتخلي مسؤوليتها تماما. وبناء على ذلك، تم وضع الجثة في الثلاجة المخصصة لذلك إلى أن وصل الساعة التاسعة والنصف صباحًا وكيل النيابة والدكتور عبدالرحيم، رئيس قسم الطوارئ، ودخل الاثنان فقط لمعاينة الحالة ليكتب كل منهما تقريره. تقرير النيابة مرفق بملف التحقيقات في القضية، أما التقرير «المُفصل»، الذي كتبه الدكتور عبدالرحيم، موضحا فيه أحجام وأماكن الكدمات والخدوش، فحصلت النيابة على النسخة الأصلية منه، واحتفظت المستشفى بنسخة في سجل خاص بمثل هذه الحالات، وبحسب أحد الأطباء فهو «سري ويختلف عن تذكرة المريض أو التقرير المبدئي، لذا لا يمكن أن يظهر». نفى الدكتور عبدالرحيم، ووجهه يبدو عليه التوتر الشديد، أن يكون رأى جزءًا من كيس الخصية مقطوع، أو أنه وجد طعنة في فتحة الشرج كما زعم نجل مكين. وعند مواجهتهم بالصور المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي لجثة مكين في المشرحة، ويبدو فيها ظهره مشوه تماما، قال عبد الرحيم «احنا كتبنا اللي شفناه، والشكل اللي فالصور مكنش ظاهر لما كان عندنا، لكن الجثة لما تقعد من 3.30 فجرا لحد 5 ظهرا وتروح المشرحة، وارد أنه من الحركة ومرور الوقت يكون ظهرت الكدمات والخدوش بشكل تاني، خاصة مع توقف الدورة الدموية وأن المريض جسمه قابل للتسلخ». التقرير المبدئي حدد وجود «خدوش قديمة» بالجثة بمعنى أنه يمكن أن يكون مر عليها يوم أو يومين، ولكن – بحسب مصدر مطلع - ما لم يذكره التقرير بشكل واضح أن هناك كدمات أخرى «جديدة». في حين، قال أحد الأطباء الموجودين – وفضل عدم ذكر اسمه – إن «هذا الشخص كان مصابا بالسكر، لكن من وجهة النظر الطبية، فلا يمكن أن يسبب هذا المرض المنظر البشع الذي ظهر على جثته في الصور، حتى بعد مرور وقت». وأوضح هذا الطبيب، الذي تحدث بعيدا عن أمن المستشفى لعلاقتهم بالشرطة – بحسب ما قال - أن إمكانية التلاعب في التقارير الطبية تعود إلى ضمير الطبيب الموقع على التقرير فقط. ومن جانبه، رفض الدكتور أسامة عبدالله، مدير المستشفى، الإدلاء بأى تعليق إلا بعد الحصول على إذن من وزارة الصحة. كانت أسرة مجدي مكين قد اتهمت بشكل رسمي النقيب بقسم الأميرية، كريم مجدي، بتعذيبه حتى الموت، وقال ابنه في تصريحات صحفية إن والده كان ذاهبا من حي الزاوية الحمراء إلى الأميرية مع صديقيه، وفوجئ بأحد أقاربه يطالبه بالمجيء سريعا لمستشفى الزيتون التخصصي بحي الأميرية، وعندما ذهب علم بخبر وفاة أبيه. وبحسب تصريحاته، أصرت العائلة على الإطلاع على جثة القتيل، ووافقت إدارة المستشفى بصعوبة، فوجدوا الجثة مكفنة بقماشة بيضاء، وتحيطها الماء المختلط بقطرات الدم، ثم اكتشفوا بعد ذهابه للمشرحة وجود كدمات في صدره، وتورم في وجهه، وجرح في رأسه، وتشوه في ظهره، وقطع جزء من كيس الخصية، وطعن في فتحة الشرج. ولمعرفة ما حدث، سأل نجل مكين أصدقاء أبيه الذين كانوا معه وقتها، الذين قالوا إنهم في طريقهم إلى الأميرية صدمت سيارة ميكروباص العربة الكارو الخاصة بمكين، فوقعت مشادة بين الطرفين في الوقت الذي كانت تمر فيه دورية أمنية، فترجل الضابط من سيارته، وسب الطرفين، وعند اعتراض مكين على ذلك، انهال عليه الظابط بالضرب المُبرح واقتاده إلى القسم هو ومن معه. في المقابل جاءت أقوال النقيب كريم مجدى، المتهم، مغايرة، حيث قال: «أثناء مروري أنا وقوة أمنية من قسم شرطة الأميرية لتفقد الحالة الأمنية، اشتبهت في 3 أشخاص يستقلون كارته، وعند ملاحظتهم القوة الأمنية حاولوا الهروب، لكن تمكنت بصحبة القوة من ضبطهم، وعثر بحوزتهم على 20 علبة ترامادول، وليس معهم أى بطاقات هوية.. تم اقتيادهم إلى القسم وأثناء تحرير المحضر وقع أحد المتهمين ويدعي مجدى مكين على جانبه الأيمن، وأنا ملمستوش خالص، وحاولت إفاقته إلا أنه لم يستجب، فخرجت به إلى مستشفى الزيتون، وهناك أكدوا أنه فارق الحياة». كانت لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب برئاسة النائب علاء عابد، قد زارت قسم الأميرية مساء أمس الجمعة لمتابعة التحقيقات، فيما قال رئيس نيابة الأميرية إن التحقيقات الأولية أسفرت عن أن سبب وفاة مجدي مكين هو حادث انقلاب العربة إثر مطاردة بين القتيل واثنين آخرين بصحبته من جهة والشرطة من جهة أخرى، لإلقاء القبض عليهم لحيازتهم مواد مخدرة بلغت نحو 2000 قرص مخدر. وفتحت وزارة الداخلية تحقيقا مع الضابط والموجودين في القسم بالإضافة إلى تحقيقات النيابة العامة في الواقعة، وطالب وزير الداخلية بعرض نتائج التحقيقات عليه مباشرة فور الانتهاء منها، واستعجلت النيابة تقرير الطب الشرعي حول الواقعة، وهو ما سيثبت بشكل قاطع سبب الوفاة. أقرأ أيضا : أسقف المنيا يزور «أسرة مكين»: لعل الحادث يكون وقفة للتعذيب في الأقسام