قرار اتحاد الجبلاية باستمرار المدرب بوب برادلى فى قيادة منتخب مصر حتى نهاية عقده أو على الأقل حتى مباراة غانا القادمة، لا يمكن اعتباره اعترافًا بكفاءته الفنية أو اقتناعًا بمستواه التدريبى، بل هو فى الواقع مجرد هروب من دفع الشرط الجزائى الكبير الذى رفض برادلى التنازل عنه فى حالة فسخ عقده. هذا القرار هو بمثابة اعتراف ضمنى من اتحاد الكرة بأن «مافيش فايدة» من مباراة غانا الثانية، وأن حلم التأهل قد أصبح سرابًا، وبالتالى لا داعى لبعزقة الفلوس وتحمّل مسؤولية المثول أمام النيابة مستقبلًا بتهمة إهدار المال العام. فمعظم الخبراء والمختصين يرون أن الحاجة ملحّة الآن إلى الاستعانة بمدرب وطنى كفء -قد يكون حسام البدرى أبرزهم- لقيادة الفريق حتى مباراة غانا المقبلة، لعل وعسى تتحقق معجزة التأهل على يديه أو على الأقل يتمكّن من محو آثار المباراة الأولى الكارثية، وتحسين صورة الكرة المصرية على المستويين القارى والعالمى. الواقع يقول إن المدرب الوطنى قادر على تفهّم نفسية اللاعبين أكثر من المدرب الأجنبى باعتبار عامل اللغة وعامل التعايش وأنه أكثر دراية بطرق شحذ الهمم، لبذل أقصى الطاقات فى المباراة بدافع الوطنية والانتماء، حتى لو كان ذلك باستخدام الأغانى الوطنية تمامًا، كما فعل حسن شحاتة فى أثناء بطولة إفريفيا 2010، والتى كان يحرص فيها قبل كل مباراة على سماع اللاعبين أغنية شيرين (ماشربتش من نيلها). قد يبدو هذا الكلام ساذجًا لأى خواجة، ولكن الحقيقة أنه بيجيب نتيجة معانا. حتى إذا كنا سنقارن بين الكفاءة الفنية لحسام البدرى وبرادلى، فأنا أرى أن المقارنة ستكون فى صالح البدرى الذى تولّى مهمة تدريب الأهلى فى ظروف بالغة الصعوبة بعد رحيل مانويل جوزيه الذى لم يترك بطولة أو إنجازًا لم يحقّقه، مما يزيد من صعوبة مهمة مَن يخلفه، إلا أن البدرى كان على قدر المسؤولية فاحتفظ للفريق بمستواه العالى وقاده للفوز ببطولة الدورى، بل وحقّق أيضًا بطولة إفريقيا فى ظروف شبه مستحيلة بسبب توقّف النشاط الرياضى فى مصر وعدم وجود مناخ مناسب لإعداد الفريق. أما إذا تطرقنا إلى تاريخ برادلى التدريبى فسنرى أنه متواضعًا أو بالكتير عادى!! فقد بدأ مشواره التدريبى عام 1996 كمدرب مساعد، ثم تولّى الإشراف على عدد من الفرق المحلية، وبعدها تولّى مسؤولية تدريب منتخب شباب أمريكا وتلاها بتدريب منتخب أمريكا الأول من عام 2007 حتى 2011، حقّق فيها بعض النتائج الجيدة، منها التأهل إلى مونديال جنوب إفريقيا وقبلها حقّق المركز الثانى فى بطولة القارات عام 2009 والتى فاز فيها على منتخبنا بثلاثة، مما جعلنا (نحطه فى دماغنا) ونرشّحه لتدريب منتخبنا بعد ذلك. إبداعات برادلى التدريبية تتركّز فقط فى قدرته على رفع مستوى اللياقة البدنية للاعبين، مما يمكنهم من مجاراة المنافس وتعويض الفوارق الفنية معه وهذا ما نجح فيه تمامًا مع منتخب أمريكا، ولكن للأسف لم يفلح فيه مع منتخبنا!! أما قدراته الفنية على قراءة المنافس ووضع التشكيل المناسب وتعديل خطط اللعب فى أثناء المباراة فهى قدرات متواضعة، والدليل هو ما رأيناه طوال عامين من تدريبه لمنتخبنا الوطنى، لم يضف خلالهما أى جديد على الصعيد الفنى أو الخططى. يعول برادلى فى بقائه على مساندة زكى عبد الفتاح المصرى الأمريكى مدرب حراس المرمى، وصاحب الفضل الأول فى توليه هذا المنصب، والذى ما زال حتى الآن يتولّى مهمة الدفاع عنه والترويج له.. فكافأه برادلى بإطلاق يده فى المنتخب وأعطاه صلاحيات وسلطات تفوق بكثير كل صلاحيات وسلطات الجهاز المعاون مجتمعًا، فأصبح زكى الحاكم الآمر الناهى فى كل شؤون الفريق!! قدر الله وما شاء فعل.. فمن بيده الأمر قد اتخذ القرار وعليه وحده أن يتحمّل كل التبعات، خصوصًا بعد مباراة غانا المنتظرة. اتخاذ مجلس اتحاد الكرة القرار بهذا الشكل يذكّرنى كثيرًا بجزء من عبارة شهيرة، قالها جمال عبد الناصر فى إحدى خطبة: (لقد اتخذت قرارًا أريدكم جميعًا أن تساعدونى عليه).. أرجو من الله أن لا يضطر نفس المجلس قريبًا إلى إكمال باقى العبارة: (وقد قررت أن أتنحّى تمامًا ونهائيًّا عن أى منصب رسمى وأن أعود إلى صفوف الجماهير)!!