لم أسمع عن موقع «ليست ميوز» قبل اختيار روايتى ضمن أفضل 100 رواية فى التاريخ «التربية والتعليم» رفضت تدريس قصتى «الشجرة والعصافير» لأنى على قيد الحياة أتمنى إلغاء وزارة الثقافة لأنها تقوم بأدوار غير المكلفة بها كان وما زال بطل روايته هو المكان، أو تحديدًا الإسكندرية، المدينة التى لا ينام فيها أحد سابقًا، لتتحول إلى مدينة فى غيمة، يسيطر عليها مجموعة من السلفيين، التى كتب عنها فى ثلاثيته العبقرية، واحتلت إحدى رواياتها المركز ال77 فى قائمة أفضل مئة رواية فى التاريخ على موقع «ليست ميوز». الروائى إبراهيم عبد المجيد الذى قرر أخيرًا الكتابة عن مدينة القاهرة فى فترة السبعينيات، وتحولات المكان، ونظرته لها بعد وصوله من مدينته الإسكندرية حينما كان شابًا، يحدثنا عن شعوره بعد اختيار روايته ضمن أفضل مئة رواية فى التاريخ، ورأيه فى وضع الأدب بالوطن العربى حاليًا.. فإلى نص الحوار: ■ برنارد شو قال بعد فوزه بجائزة نوبل إن «الجائزة حين تأتى للأديب بعد اكتمال تجربته تصبح مثل طوق النجاة الذى يلقى به للغريق بعد وصوله للشاطئ»، فهل ترى أن هذه المقولة تنطبق عليك؟ - هى ليست جائزة مادية كما يظن البعض، بل تصنيف على موقع «ليست ميوز»، وكان مفاجئًا بالنسبة لى، خصوصًا أنى لم أسمع عن هذا الموقع من قبل، كما أنه جاء فى لحظة نفسية مهمة جدًا، لأنى مهتم بما يحدث سياسيًّا جدًا، وأشعر فى كثير من الأحيان باكتئاب نتيجة ما يحدث، لذلك كنت أحتاج إلى نوع من الراحة. كما أن تسليط الأضواء على رواية «لا أحد ينام فى الإسكندرية» من جديد أسعدنى كثيرًا، سواء على مستوى الوطن العربى، أو عالميًّا، رغم أنها انتشرت منذ كتابتها، وترجمتها لعدة لغات، فإن دخولها ضمن أفضل مئة رواية فى التاريخ أعادنى إلى أيام كتابتها. ■ وهل تعتقد أن الجوائز هى التقييم الحقيقى للكاتب؟ - الجوائز جزء من تقييم الكاتب سواء كانت جوائز عربية أو عالمية، لكنها ليست كل التقييم، لأن الأدب ليس مادة علمية يتفق عليها الجميع، كما أن الجوائز دائمًا أقل من عدد الأدباء، فجائزة نوبل على سبيل المثال تُعطى لكاتب واحد، رغم أن هناك كثيرًا من الكتّاب العظماء الذين يستحقون نيل هذه الجائزة. ■ هل أنت راض عن ترتيب روايتك؟ - راض جدًا بهذا الترتيب، ووجودى فى قائمة أفضل مئة رواية أيًّا كان المركز أمر يدعو للسعادة، فالرواية بدأت منذ أربعة قرون، فعندما تكون هناك قائمة بهذا الشكل، يصبح المركز الأول مثل المئة، خصوصًا وعندما وجدت الرواية التالية لروايتى هى«دون كيخوتة»، «قلت مش هكلم حد لمدة سنة»، ثم يضحك ويكمل حديثه، فرواية «دون كيخوتة» قرأتها عندما كنت شابًا جامعيًّا، وأرى أنها من أجمل الروايات التى قرأتها فى حياتى. كما أنى عندما سافرت إلى إسبانيا وروسيا، وجدت الروايات العالمية تباع فى محلات الآثار، نسخ مكتوبة بماء الذهب، والغلاف أيضًا من الخامة ذاتها، وهى ليست للقراءة، بل لكى يحتفظ بها القارئ، ويصل سعرها فى بعض الأحيان إلى ألف دولار، وهذا نوع من تقدير الأدب وفهم أهميته، أما فى العالم العربى فنسب القراءة ضعيفة جدًا، ولا تصل إلى المستوى المطلوب. وأعتقد أن إهمال القراءة يعود إلى أنظمة سياسية قمعية، ووزارات تربية وتعليم لا تهتم بالقراءة، وألغت القراءات الحرة بالمدرسة، ومستوى أمية المرتفع جدًا، إضافة إلى نسبة كبيرة من المصريين بالذات تحت خط الفقر. ■ وزارة التربية والتعليم رفضت وضع إحدى قصصك ضمن المناهج التعليمية.. ما تفاصيل هذه الواقعة؟ - هذه حكاية لطيفة جدًا حدثت منذ سنوات، عندما جاء لى أستاذ محمود الضبع، وهو أستاذ أدب، وكان له علاقة بوزارة التربية والتعليم وقتها، وطلب منى الإمضاء على موافقة لضم قصة «الشجرة والعصافير»، ووافقت على ذلك، على أن يتم تبسيطها للطلبة، حيث إنها قصة بها أفكار فلسفية. وبالفعل تم تبسيط القصة، لتصبح مناسبة لطلاب المرحلة الإعدادية، إلا أن الوزارة رفضت، لأنها لا تدرس قصصًا بالمناهج إلا بعد موت كاتبها، وبالفعل لا توجد قصة قصيرة تدرس فى المناهج إلا قصة نظرة ليوسف إدريس، فوزارة التربية والتعليم ضد الأدب، خصوصًا أدب جيلى، الذى يتميز بكسر التابوهات، ورفض كل ما هو قديم وتقليدى. وكان هناك محاولة أخرى قبل الثورة لضم رواية «طيور العنبر» لتصبح ضمن المناهج التعليمية من قبل مسؤولة بوزارة التربية والتعليم، إلا أنه بعد قيام الثورة قام أحد المدرسين بتقديم شكوى أن الرواية تتناول الجنس، وتم إلغاء الفكرة وتحويل المسؤولة بالوزارة إلى التحقيق. ■ ولماذا اخترت مدينة الإسكندرية بالذات لتكتب عنها سواء فى الرواية الفائزة أو عدد من الروايات الأخرى؟ - هناك حكمة تقول «العلم فى الصغر كالنقش على الحجر.. والعلم فى الكبر كالنقش على الماء»، وكذلك الإحساس، وأنا ولدت فى الإسكندرية وعشت فيها 25 عامًا، وذلك جعلنى أتعلق بها، وأحب الكتابة عنها، وعن تحولاتها فى الثلاثية، أما انتقالى إلى القاهرة جاء فى وقت أحسب فيه كل شىء بعقلى، خصوصًا أنه فى ذلك الوقت كنت بدأت العمل مع التنظيمات اليسارية. وحاليًا بدأت كتابة رواية عن القاهرة، بعين الغريب الذى جاء من الإسكندرية فى فترة السبعينيات، والتغيرات التى حدثت لها على مستوى المكان، أو التغيرات السياسية. ■ على ذكر التنظيمات اليسارية.. تناولت فى رواية «طيور العنبر» قمع الدولة لليسار.. فهل لهذا علاقة بانتمائك الأيديولوجى؟ - فى الرواية أتناول ما حدث من وقائع دون توجيه اتهام لأى من الطرفين، فهى الجزء الثانى من الثلاثية، وأتعرض فيها لإلقاء القبض على 25 ألف شيوعى فى ليلة 31 ديسمبر 1958، بسبب العداء بين الشيوعيين والدولة فى ذلك الوقت، ونقلت عن جريدة «الأخبار» خبرًا فى اليوم التالى للواقعة، عنوانه القبض على مجموعة من الحيوانات، وبالطبع تعرضى لهذه الوقائع له علاقة بتعاطفى مع الشيوعيين، وإيمانى بأفكارهم. واليسار فى مصر منذ منتصف السبعينيات، وبدأ فى الانهيار، بسبب استعانة الرئيس السادات بجماعة الإخوان لتقمع اليسار، وعبد المنعم أبو الفتوح لديه كتاب يعترف فيه باستغلال السادات لجماعة الإخوان لضرب الحركة اليسارية فى مصر، ومنذ ذلك الوقت بعدت عن العمل السياسى المنظم، لأن طبيعة الكتابة تتنافى مع الكتابة الأدبية التى تجعلك تعتزل أى عمل آخر لمدة طويلة، لكنى ما زلت مؤمنًا بمبادئ العدالة الاجتماعية، لكنى ليبرالى بمعنى أنى لا أطالب بأن تكون الطبقة العاملة هى الأولى، بل الجميع لهم حقوق متساوية. ■ وكيف ترى الكتابات الشبابية؟ - مصر لديها إنتاج شبابى كبير وجيد جدًا، لكن الشباب ما زال يحتاج إلى قراءة تاريخ الأدب والفن، والروايات القديمة، إلا أن هناك شبابًا بدؤوا يظهرون على الساحة ولهم قراؤهم منهم، ياسر عبد الحافظ، وطارق إمام، وإيهاب عبد الحميد، وأمنية طلعت، وسمر نور. ■ اعتذرت عن عدم المشاركة فى مؤتمر المثقفين.. فهل هذا الاعتذار له علاقة بالاعتراض على المؤتمر؟ - إطلاقًا، اعتذرت وقتها كى أتمكن من السفر إلى الإسكندرية، إلا أننى أتمنى إلغاء وزارة الثقافة لعدة أسباب، لأن وجود وزارة ثقافة هى فكرة شمولية تطبق فى الأنظمة القمعية، ولذلك فلا بد من إلغائها، بحيث تصبح الثقافة فى مصر حرة، على أن توضع خطة لبيع جميع هيئات الوزارة، حتى لا يتم بيعها مرة واحدة فتتأثر الثقافة سلبًا. كما أن الوزارة تقوم بدور غير المكلفة به، وهو الرقابة على الكتب، رغم إلغاء قانون الرقابة منذ عهد السادات، إلا أن الوزارة لا يمكن أن تصدر كتابًا إلا بعد موافقة رئيس تحرير السلسلة الصادر عنها النص الأدبى.