وقف مفتش التموين أمام بائعة الخضار وهو فى ذهول من الذى يراه من انفعال كبير يصل إلى حد «اللطم» على الخدود من جراء ضبط السيدة بائعة الخضار وهى تبيع أزيد من التسعيرة، وبينما هو يناقشها ويستفسر منها عن سر هذه الضجة مع أنها مخالفة للقانون؛ تجمع نساء أخريات من زملائها حوله ليقصصن له كيف يشترين بضاعتهن من تجار الجملة فجرًا بأسعار عالية، فيضطررن أن يبعنها بأسعار أعلى، وبينما كان الصراخ يدوّى حول مفتش التموين، بدأ يسأل نفسه إذا كان كلام هؤلاء السيدات صحيحا، فيصبح حرامًا أن تُؤخذ هذه السيدة فى قضية ليست هى المسؤولة عنها، وبكل قوة وعزم قرر مفتش التموين أن يترك السيدة المخالفة، وبدأ يفكر جيدا فى قصة هؤلاء السيدات مؤكدا لنفسه أنه لا بد من البحث عن الحل والحل يكمن فى تاجر الجملة، فهو المستغل لهؤلاء السيدات الغلابة من بائعى الخضروات والفاكهة، وفعلا قرر المفتش بعد شرح الأمر باستفاضة مع رئيسه المباشر أن تخرج حملة تموينية فجرا إلى سوق الجملة لتُسلّم تجار التجزئة الخضروات والفاكهة بالسعر الرسمى، وعليه فمن المؤكد أن الأسعار ستنضبط جيدا، وفعلا قامت الحملة فجرا من خلال سوق الجملة بتسليم كل تجار التجزئة الخضروات والفاكهة بالسعر الرسمى، وبعد ساعتين بدأت حملة تموينية من المكتب التابع له مفتش التموين، وكان هو من ضمنها فى التفتيش على سوق خضار المدينة ليجد الظاهرة الأولى والواضحة والجلية أن أكثر من 90% من تجار التجزئة لا يعلنون عن الأسعار على الخضروات والفاكهة، وبدأ المفتش فى إرسال مفتشين زملاء له ليقوموا بما يطلق عليه فى التموين محاولة شراء خضار من إحدى السيدات البائعات بالضبط من السيدة التى اشتكت من أسعار الجملة، والتى خرج لها مفتش التموين خصيصا فجرا ليسلمها الخضار بالسعر الرسمى، لتحدث المفاجئة أن السيدة كالعادة باعت بأكثر من السعر الذى حددته الوزارة للخضار. هذه حكاية من حكايات مفتش تموين قضى جزءا كبيرا من حياته الوظيفية يبحث عن سر المخالفات التموينية للتجار فى مصر، فاكتشف من خلال رحلته الطويلة أن أساس المشكلة تكمن فى أن هناك جشعا لا يمكن لأحد إنكاره من جانب التجار جميها ابتداءً من تاجر التجزئة البسيط الذى عندما تراه تشعر بالعطف عليه من هذه المهنة المتعبة، لكن لا بد أن تعلم أنه يعمل بكل طاقته على أن يخرج بمكاسب كبيرة من عمله، وبالتالى لا بد أن نعلم جيدا أن مصر تتميز بمميزات غريبة، ربما لا نراها فى أى بلد فى العالم كما نراها فى مصر، وهى أن التجار فيها لا يعترفون أصلا بالمكسب الصغير فالخمسة بالمئة والعشرة بالمئة صعب جدا أن تجدهم يبحثون عنها فهم دائما يبحثون عن 25% و50% ولا نبالغ إن قلنا 100%، ومن الغريب والطريف فى بلد مثل مصر تجد أن الحكومة نفسها عندما ترفع الأسعار فمن النادر أن تراها ترفع بنسب منخفضة بل دائما ترفع بنسب تزيد على 25 و50% إذن فالاقتصاد المصرى يحتاج إلى نظرة، وخصوصا لتجاره ورجال أعماله، لذلك فأنا شخصيا لست مستغربا أن يكون هناك شد وجذب بين وزارة التموين والتجارة الداخلية وتجار الخضر والفاكهة بعد أن أعلن وزير التموين فرض التسعيرة الجبرية على الخضار والفاكهة، لأننى أؤمن أن الوزارة لم تكن مستعدة لمثل هذا القرار، وأن المسألة بالعربى «سخنت فى دماغ الوزير» ففعلها وبعد أن علا صوته ورقصت المجموعة الإعلامية حوله شرحًا لفرض التسعيرة، بدأ التموين مرة أخرى يتراجع عن تطبيق التسعيرة الجبرية، ويكتفى بما يسمى التسعيرة الاسترشادية، ولمن لا يعرف التسعيرة الاسترشادية نقول له إنه سيتم تشكيل لجنة أسبوعية لكل محافظة لتحديد سعر الخضر والفاكهة مع مراعاة تكاليف النقل والإعلان ليتابعها، ويحاول أن يلزم بها التجار دون فرض مخالفات قانونية عليهم بعد ذلك كما يقول الوزير وقيادات الوزارة، فى حالة عدم الالتزام سيتم تطبيق الأسعار الجبرية وأنا شخصيا أرى فى ذلك تراجعا ملحوظا عن التصريحات النارية التى أمطرنا بها وزير التموين بفرض التسعيرة الإجبارية، وإذا كان الوزير يقول إن الأسعار الاسترشادية للخضار والفاكهة سوف تحدد هوامش ربح معقولة لتجار الجملة والتجزئة، وتصل بالسعر النهائى للسلعة بما يناسب المواطنين بلا مغالاة فنحن هنا نتساءل لماذا استرشادية وهل يتخيل السيد الوزير أن الباعة سيحترمون السعر الاسترشادى الذى يتحدث عنه سيادته، وأيه المشكلة إذا تم فرض تسعيرة جبرية سيف القانون فيها هو الأقوى، ويُفعّل وزير التموين أيضا بجانب ذلك ما يقوله أن يتم تكثيف المعروض من الخضر والفاكهة بالمجمعات الاستهلاكية وفروع الاتحاد التعاونى ومنافذ وزارة الزراعة والسيارات المتنقلة لزيادة المعروض بهدف خفض الأسعار وبينما نرى تصريحات تحتاج إلى إيضاح من المتحدث الرسمى لوزارة التموين أن الوزير سوف يجتمع بالتجار وممثليهم ليقنعهم بخفض الأسعار، وإذا لم يتم تخفيض الأسعار سيتم استصدار قرار من مجلس الوزراء بفرض التسعيرة الجبرية وهذا الشىء يدعو إلى الدهشة من التاجر الذى يجلس أمام الوزير ليعد بخفض الأسعار، ومن يمثل وهل سينفذ هذ الوعد وإذا كان حقيقيا ما قاله محمود دياب مستشار وزير التموين الإعلامى أن التجار ضاعفوا إلى أسعار إلى 300% إذن ماذا ننتظر لنفرض التسعيرة الجبرية عليهم، أنا أعلم جيدا صعوبة مراقبة التسعيرة الجبرية، ولكن لا بد أن يكون هناك قوة إرادة من الوزير وقيادات الوزارة لتطبيق ذلك بكل قوة وحزم يجب أن يعلم الجميع أن الشعب المصرى الآن يئنّ كثيرا، مما يحدث له من جراء ارتفاع الأسعار ويجب أن يشعر الناس أن هناك ثورة قامت، ويجب أن تفعل الحكومة كل شىء حتى تصل إلى أهداف الثورة عيش حرية عدالة اجتماعية.