الحديث عن المكان الحقيقي، الذي دُفن فيه رأس الإمام الحُسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- مرّ بمراحل مختلفة من الجدال والصراع الفكري والتاريخي، حيث إن الشهادات الواردة إذا حصرناها فيما يتعلق بمكان دفن الرأس الشريف، سنجد أنها أشارت إلى 4 أماكن مختلفة، لكل منها سند وقول يؤيدها، ولكن قبل الإشارة لها، ينبغي التنويه إلى قصة انفصال الرأس عن الجسد الطاهر في معركة كربلاء. مع مطلع فجر العاشر من مُحرم لعام 61 هجريًا بدأت معركة "الطف" أو كربلاء في العراق، بين جيش حفيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحُسين بن علي وعدده 72 جنديًا معظمهم من أهل البيت، ضد جيش اليزيد بن معاوية وعدده 4 آلاف جندي، وبعد قتال استمر حتى وقت الظهر، خرّ الحسين صريعًا بضربات السيوف المتتالية وإحداها في البطن، ثم قام شخص يُدعى "شمر بن ذي الجوشن" بقطع رأسه الطاهر وفصلها عن الجسد الذي دفن في "كربلاء"، فحملها وتوجه بها إلى اليزيد بن معاوية، والذي علّقه على أبواب دمشق ليزيد الناس إرهابًا، هنا تتوقف الرواية المتفق عليها من جمهور العلماء، وتبدأ رحلة الرأس الشريف بين عدد من البلدان، لكن أين استقر رأس "سيد شهداء الجنة"؟ 4 روايات مختلفة الغريب أن هناك 4 دول يوجد بها قبر لرأس الإمام الحٌسين -رضي الله عنه- ولكل منها أسانيد تستدل بها على صحة ذلك الأمر. - المدينةالمنورة روى أحد علماء المسلمين المعتد بهم، ويدعى "سبط بن الجوزي" في كتابه الشهير "تذكرة الخواص"، أن حاكم "والي" المدينةالمنورة عمرو بن سعيد بن العاص قد حمل بنفسه رأس "الحُسين" وكفنه ودفنه في البقيع إلى جانب أمه فاطمة الزهراء -رضي الله عنه- مع العلم أن المكان الحقيقي لقبر بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس معروفًا بدقة حتى هذا الوقت، وذلك وفق ما ذكره موقع "الإمام علي". - سوريا ذهب جمهور من المؤرخين إلى أن المكان الحقيقي لدفن الرأس كان في دمشق بعد وصوله من كربلاء بالعراق، لكنهم اختلفوا حول تحديد مكان الدفن بدقة، فبعضهم قال إنه مدفون في حائط دمشق، ومنهم من قال في المقبرة العامة لدفن المسلمين، وآخرون أشاروا إلى دفنه داخل "باب الفراديس" وذلك المكان سُمي فيما بعد ب"مسجد الرأس"، في حين أكد آخرون دفنه بجامع دمشق، وهذا الاختلاف يضعف من صحة الرواية في نظر العلماء. - كربلاء ذهب فريق كبير من علماء المسلمين "السنّة" إلى هذه الرواية ومنهم الشبراوي، والقزويني، وأبو ريحان البيروني، الذين أكدوا دفن الرأس بجوار الجسد في "كربلاء" بالعراق بعد أن طاف بعدد من البلدان، وهذا القول أيضًا يؤكده جمهور علماء الشيعة وأشهرهم "المجلسي، وابن نما. - مصر ذكر "الشعراني" أن العقيلة زينب بنت علي -رضي الله عنها- قد نقلت الرأس بعد معركة كربلاء إلى مصر، حيث دفن في مكانه الحالي، فيما أفاد "المقريزي" أن الفاطميين هم من نقلوا الرأس من "باب الفراديس" في دمشق، إلى عسقلان، ومنها إلى القاهرة عن طريق البحر، وعليه فإن جموع المسلمين يتوجهون لزيارة مقام الحسين -رضي الله عنه- في مسجد بالقاهرة، بما يصاحبها من طقوس دينية تختلف بين زوار الشيعة والسنة. - لجنة الأوقاف داخل القبر في ثمانينيات القرن الماضي، كتب أنيس منصور، رئيس تحرير مجلة الساعة آنذاك، مقالًا أكد فيه من خلال قراءاته التاريخية أن أحباء "سيد شباب أهل الجنة" قد طافوا بالرأس في ثماني مدن هي: كربلاء والمدينةالمنورةودمشقوالقاهرة وعسقلان وحلب والرقة، إلى أن استقر به المقام في دمشق، معيدًا بذلك قصة الجدل الطويل الذي خاضه علماء المسلمين من قبل. وهنا يروي الصحفي الكبير وأحد أعمدة جريدة "المساء" آنذاك عبد الرحمن فهمي في مقال سابق له نشرته "الأهرام" بعنوان "هل رأس الحسين في مسجده بالقاهرة؟"، قصة استدعائه من جانب صديقه الشيخ حلمي عرفة، مدير مسجد الحُسين حينها بعد نشر مقال "منصور"، وفور ذهابه له أخبره أن رجلًا مهمًا بانتظاره داخل غرفة إمام المسجد. ذهب "فهمي" ووجد بالداخل الشيخ منصور الرفاعي، الوكيل الأول لوزارة الأوقاف، والذي كان مسئولًا عن المساجد منذ عام 1977 حتي أوائل التسعينيات، فأخبره بقصته داخل قبر الحسين كما رآها بأم عينه، فقال: "القصة تبدأ بطلب تقدم به أحد رجال الأعمال يدعى عمر الفاروق لتجديد ضريح الإمام الحسين على نفقته الخاصة دون أن تتكلف وزارة الأوقاف جنيها واحدًا"، مضيًفا أنه عرض الأمر على وزير الأوقاف، فوافق وكلف بنزول لجنة لمعاينة القبر من الداخل للتأكد من الحاجة لترميمه. تشكلت اللجنة ونزل منصور ومعه رجل الأعمال، وهنا قال وكيل الأوقاف: "نزلنا إلى مكان الرأس فوجدناه في حجرة صغيرة ملفوفا في قماش أخضر والحجرة تشع برائحة المسك والزعفران معا.. وأحضر عمر الفاروق -رجل الأعمال- قماشة خضراء جديدة ولف بها الرأس مرة أخرى.. ووضع عليه كمية كبيرة من مختلف العطور، ثم أعاد الرأس إلى مكانه.. وخرجنا جميعا وقمنا بالإعلان على الملأ أن الرأس موجود في الضريح كما تؤكد روايات التاريخ".