لماذا أخذت أول حاملة طائرات تشتريها مصر اسم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر؟ سؤال لا يتطلب إجابة، فاسم عبد الناصر إجابة بحاله، وكونه ضابطا بالجيش المصري وكونه رئيسا وكونه قائدا لثورة يوليو وسجل الإنجازات التي نفذها تجعل لا محل للسؤال. نفس الشيء ينطبق على تسمية حاملة الطائرات الثانية الميسترال باسم الرئيس الراحل أنور السادات، وهي الحاملة التي وصلت الإسكندرية وشاركت في مناورات كليوباترا البحرية في ذكرى انتصارات أكتوبر ١٩٧٣.
لكن لماذا لم تكرم البحرية المصرية اسم الرئيس الراحل محمد نجيب أول رئيس لمصر بعد طرد الملك فاروق وتولي الضباط الأحرار الحكم، وكان هو القائد العجوز الذي قبل أن يكون الواجهة للثورة ١٩٥٢ وأعلن كقائد للثورة؟ الذي لا يعرفه الكثيرون أن مبارك كان أول رئيس تكرمه البحرية المصرية في عهده عندما أطلقت اسمه على واحدة من وحداتها المقاتلة الكبيرة وهي المدمرة الأمريكية من طراز (بيري)، وكانت واحدة من أربع مدمرات من ذات الطراز تسلمتها مصر تباعا في التسعينيات، وحملت الأخريات أسماء مدن مصرية هي توشكا وشرم الشيخ وطابا.
معايير اختيار أسماء للوحدات البحرية تخضع لاعتبارات تتعلق بحجم الوحدة ذاتها، ليس في البحرية المصرية خاصة وإنما في البحريات العالمية، فالقطع الكبيرة تأخذ أسماء المدن والرؤساء مثل حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديجول وحاملتي الطائرات الأمريكيتَين أيزنهاور وجون كيندي. وفي البحرية المصرية حتى قبل الثورة كانت المدمرات البحرية تحمل أسماء الحكام والمدن مثل المدمرة إبراهيم الأول وعكا والاثنتان فقدتا خلال العدوان الثلاثي على مصر ١٩٥٦. والوحدات الأقل في التسليح مثل الفرقاطات تحمل أسماء مدن أو معارك مثل الفرقاطة أبو قير والوحدات الأصغر مثل اللنشات تأخذ أسماء قادة عسكريين أو مدن صغيرة، أما الوحدات الأقل والأصغر فتحمل أرقاما لا أسماء. وعند التعاقد على وحدة بحرية جديدة تتولى لجنة خاصة اقتراح عدة أسماء وترفع الأسماء لقيادة القوات التي بدورها ترشح ما تراه للقيادة العامة للقوات المسلحة ليستقر الرأي. وكانت آخر قطعة بحرية انضمت للأسطول المصري هي الفرقاطة الفرنسية فريم، التي أخذت اسم "تحيا مصر" وشاركت في احتفالات افتتاح قناة السويس أغسطس ٢٠١٥. وتملك البحرية المصرية أسطولا يعد الأعرق والأقدم في العالم، حيث تأسست على عهد محمد علي في أوائل القرن التاسع عشر ويمتد عمرها لنحو مائتي عام، منذ أن شرع في تكوين الأسطول البحري لحماية حدوده البحرية أثناء حروبه التوسعية. ويضم الأسطول إضافة لحاملتي الطائرات عبد الناصر والسادات والفرقاطة تحيا مصر وهي آخر ثلاث قطع انضمت للأسطول، يضم 6 فرقاطات أمريكية، منها أربع بيري تحمل أسماء توشكى وطابا ومبارك وشرم الشيخ، واثنتان طراز نوكس تحمل أسماء دمياط ورشيد، واثنتان صينية طراز جيانجو تحمل أسماء الظافر والناصر، واثنتان روسي طراز كوني، واثنتان إسباني طراز ديسكوبيرتا. ومن القطع البحرية التي تحمل أسماء مميزة زوارق الصواريخ الإنجليزية وتحمل أسماء معارك مثل رمضان وخيبر والقادسية واليرموك وحطين وبدر. ومنها من يأخذ أسماء الله العظمي وهي السفن المضادة للغواصات مثل الكريم والهادي والنور والقادر والصمد والسلام والرافع. ومن الوحدات البحرية ما يأخذ أسماء المدن والأقاليم مثل كاسحات الألغام غربية ودقهلية وسيناء وسفن الإمداد شلاتين وحلايب. السؤال الآن هل ننتظر تكريم الرئيس محمد نجيب احتراما لدوره واحتراما للتاريخ العسكري والسياسي لمصر كما نعرفه أم سيكون التكريم من نصيب رئيس آخر؟ حتما لن يكون محمد مرسي، ولا غرابة إذا كان التكريم من نصيب الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي لكن الغرابة في عدم تكريم نجيب.
اللواء محمد نجيب هو أول رئيس لمصر حتي تمت إزاحته عام ١٩٥٤ وتولى الزعيم عبد الناصر الرئاسة بتأييد الضباط الأحرار زملائه، ورغم أنه عاش قيد الإقامة الجبرية ودفن ذكره عقودًا، لكن كتب التاريخ عادت لتظهره كأول رئيس لمصر، وتعترف بدوره في صناعة تاريخ مصر الحديث.