يحاول الدكتور مصطفى عبد الغنى، فى كتابه المسرح الشعرى العربى الأزمة والمستقبل الصادر حديثًا ضمن سلسلة«عالم المعرفة» التى يصدرها المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب فى الكويت، أن يجيب عن السؤال ما مستقبل المسرح الشعرى العربى؟ وهو سؤال يفرض نفسه فى الفترة الأخيرة، حين غاب أو غيب المسرح الشعرى بفعل فضاءات«العولمة» وغلالات الأمية الثقافية وإستفحال الفساد فى مختلف الميادين لأكثر من ربع قرن. وهو سؤال حاول أن يؤكد بدهية أن التراجيديا الشعرية العربية فى سياقها الأخير كانت تعبيرًا حادًا عن الهوية فى بدايات تكوينها، أو بشكل أدق، عن فترة الصراع الكبرى التى تسبق البحث عن الذات وتاكيدها، فارتباط النص بالشعرية، يعكس إرتباطًا وثيقا بالهوية العربية التى تبدو خطوط الطيف فيها متنقلة فى عديد من القطار العربية والإسلامية، غير أنها تعكس فى السياق الأخير الوعى ب«الهوية» والعمل لها، وكما يمكننا رصد ملامح الهوية اليونانية القديمة وأوروبا عصر النهضة بهذه الهوية أو تلك. كذلك يمكننا كما يقول المؤلف رصد تأكيد هذه الهوية وتأصيلها في الدراما العربية من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق في الكويت والبحرين خاصة، وأصبحت«الفرجة»أهم عناصر الدراما التى تتجدد فيها وتتحدد رسالة«المثقف» الحقيقى، وحيث خرج البعض ممن تنبه إلى خطورة هذا الجنس الأدبى أو النوع الأدبى الدراما الشعرية إلى أفاق واسعة عرفنا معها كثيرًا من تحول المعانى وتحولات الصوت والصمت والمعنى فى شكل المدونة الدراميىة، بل حين شهد التطور أفاقا أبعد عالميًا، فإذا بنا نلحظ هذا التطور الدرامي ليس عبر النص الدرامى وتحولاته المعروفة فقط، وإنما أيضًا عبر التوزيع الأوركسترالى، فضلًا عن التجديد فى تلقى القيم الدرامية، سواء فى مشاركة الجمهور على خشبة المسرح أو عبر قاعة النظارة أو مشاركة«عالم الويب»إلى غير ذلك. كما سعى المؤلف إلى رصد دور كاتب«الفرجة» فى المشرق عبر الشعرى العربى الجمعى فى محورين: الزمنى والموضوعى للإجابة على السؤال المحورى ما مستقبل المسرح الشعرى العربى؟ محاولًا أن يعيد عبر الإجابة حقيقة أن تأكيد الهوية يعنى تأكيد قيم الدراما الشعرية، ويكفى أن نعيد هذه الصيحة التى تعلو فى بلادنا من دمشق إلى القاهرة إلى برقة إلى الكويت إلى مراكش. وحاول المؤلف أن يؤكد أن المهمة، الحقيقية، للمثقف الكاتب الدرامى تتحدد فى أن يخرج من الكواليس إلى قاعة المسرح، من خشبة العرض إلى الجمهور العريض فى هذا الفضاء المتنامى خارجه، من المسرح القومى بالقاهرة إلى المسرح التجريبى بالشارقة، إلى مسرح الصوارى بالبحرين، إلى مسرح الفاشر بالسودان، إلى المسرح العمالى بحمص، إلى المسرح الاحتفالى بالمغرب إلى غير ذلك من المسارح التى تسعى إلى إستيعاب الأزمة للوصول إلى المستقبل