ا.اعتصام قال لها إذا لم ترق لك الحياة فلتعتصمى.. الاعتصام أصبح ثمة أساسية فى بلادنا بعد اندلاع ما يسمونُه بالربيع العربى. صمتت لثوان محدقة النظر فى وجهه المحُمل بملامح ورحيق صباها، ثم قالت أجل.. ليكن هذا. ولكنى لن أعتصم بأى من الميادين أو الشوارع أو حتى أمام عملى، لن أعتصم بمكان يشهد معتصمين غيرى أو بجوارى، فقط.. سأنتقى مكانا يتسع لفرد واحد.. سأعتصم بين جناحيك.. بين ذراعيك. رد عليها غير مبال.. وأى شعار سترفعين إذن؟! 2.ذاكرة السمكة تحسد السمكة على ذاكرتها الضئيلة، تلك التى لا تتجاوز عشر ثوان، تتمنى لو تمتلك واحدة مثلها، حتى تتخلص من ذاكرة تدمر حياتها، تتآمر مع حيبب سابق عليها، تحوى عملاء يتآمرون لحسابه... ينتصر هو وتنهزم هى.. تحلُم بأن تولد بذاكرة جديدة كل حين، لتنسى معها ما ينغص حياتها سواء من فقد أحباب، غدر رفاق، ظلم الكبار.... تنسى بها الأماكن التى احتوتها فانقلب أصحابها عليها، الشوارع التى مرت بها معهم، المشاعر التى عاشتها وتم وأدها كوأد الجاهلية.. تصبو لذاكرة جديدة تريح بها قلبا يأكله الندم فلا يستجيب لمتعة أو يسعد لنجاح، أو يطرب لفرح. تأمل أن تستمتع بالنجاح والجمال، تراه أول مرة مع كل ذاكرة جديدة كما السمكة بالضبط.. أسئلة ترافقها دائما: ما جدوى الذاكرة إذا كانت تحمل آلاما تطغى على الأفراح؟ لمَ أمتلك ذاكرة لا تحمينى من التأنيب المستمر؟ تفُسد علىّ حياتى؟ كلمة إنسان تحوى فى طياتها النسيان، فأين أنا منه؟ لماذا يبخل على بزيارته؟ تُحدث نفسها: الطب تقدم، المستحيلات تقلصت، العجائب لم تُعد مثيرة.. تقرر التخلص من سبب آلامها.. تذهب للطبيب.. تنحنى برأسها على المنضدة أمامه. تردد بصورة متتالية: أرجوك ساعدنى.. أرجوك ساعدنى.. أريد فقدان ذاكرتى. 3.العرافة تستهويه الكتابة وفناجين القهوة التى فرغ منها متراصة أمامه أعلى مكتبه، بجوارها أعقاب هائلة للسجائر تزدحم بها طفاية زرقاء على شكل قلب. رغم أنه يعد لنفسه القهوة كل نصف ساعة وهو منهمك فى الكتابة إلا أنه يُبقى على الفناجين، التى ربما يزيلها فى صباح اليوم التالى قبل الذهاب إلى الجريدة حيث يعمل. ما بين كتابة المقال والقصة والرواية ينصب عمله، إضافة إلى كتابة سيناريو بعض أعماله التى يُعجب بها أهل الفن فيقوم بتحويلها إلى عمل سينمائى أو تليفزيونى وإجراء معالجة فنية لها حيث يرفض أن يلعب غيره مع شخصياته حتى وإن كان على الورق... يسحب نفسًا عميقًا ثم ينظر بانسجام شديد وهو يأخذ رشفة من فنجان قهوته التى صنعها للتو... بينما يعكف على كتابة مقالته الأسبوعية سمع صوت عرافة تمر أسفل منزله لتنادى بصوت مسموع «أبين زين أبين أشوف الودع، أقرأ الكف» يضحك ويتذكر نفس الصوت الذى ذهب صوبه منذ ثلاثة عقود على أحد شواطئ الإسكندرية خلال قضائه المصيف، تلك العرافة التى سلم لها يده وهو يسخر من فكرة وجود إنسان يقرأ المخبوء لآخر، أخبرته حينها بأن ليس له بخت مع بنات حواء، انفجر ضحكًا وتركها منصرفًا ليظل يبحث عن ابنة لحواء فى عمله، أو بين بطلات رواياته وأفلامه دون جدوى، حتى سمع نفس الصوت أمام منزله يردد «أبين زين أبين أشوف الودع، أقرأ الكف» نظر إلى فناجين القهوة المتعددة أمامه وابتسم ساخرًا متسائلًا ما الضرر أن تقرأ السيدة الفنجان بدلا من قراءة الكف لربما وجدت لى فى أحدهم ابنة حواء.