موجات العنف والإرهاب «المتنقل» أو «الجوال»، هى أخطر تحدٍ أمنى واجتماعى يواجه مصر الآن، بعد سقوط أركان «دولة رابعة العدوية» وانفضاض التحالف الذى كان يدعم تنظيم «الإخوان» فور فض اعتصامى «رابعة» و«النهضة». تلك الموجات يخطط لها وينفذها عدد محدود من الأفراد يتوزعون فى «خلايا» صغيرة، تربت ونمت فى حضن الاعتصامين، وتغذت على حملات الشحن الحماسى والتحريضى ضد الدولة وأركانها (الجيش - الشرطة - الإعلام)، وبث أفكار الكراهية والانتقام من القوى المعارضة، التى كان ينفثها من فوق «منصة رابعة» قادة تنظيم «الإخوان» وحلفاؤهم، وبعضهم -كما نعلم- مجرمون ومسجونون جنائيون سابقون أفرج عنهم محمد مرسى بقرارات عفو رئاسى، وكان يدعوهم لتصدر المشهد فى كل احتفال عام أو خاص يحضره، كما حدث فى الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر، أو فى مهزلة ما سمى ب«مؤتمر نصرة سوريا» قبل عزل مرسى بثلاثة أسابيع فقط. هؤلاء الأفراد الذين ينفذون عمليات «العنف المتجول» الآن، هم ضحايا عمليات «غسيل الأدمغة» التى كان يقوم بها قادة «الإخوان» ليل نهار، ولا يزال بعضهم غير مصدق ويرفض الاعتراف بزوال «دولة رابعة»، ويحاول الانتقام ممن أسقطها، وهم دائرة واسعة تضم إلى جانب الجيش والشرطة معظم فئات وتيارات وطوائف الشعب المصرى، وهذا «البعض» بدأ بالفعل فى تكوين «خلايا» تسعى للانتقام، وبالتالى فكل فئات الشعب هى بالنسبة لهم «هدف مشروع». الأسابيع الستة التى قضاها المعتصمون فى «رابعة» و«النهضة»، عاشوا خلالها فى «جيتو إخوانى» عزلهم بشكل كامل عن العالم الخارجى، الذى تم تصويره على أنه معادٍ بشكل كامل ليس لهم فقط، إنما للمشروع الإسلامى نفسه، وبالتالى تكرس بينهم وتجذر فيهم الشعور بالاضطهاد من جانب كل من هو خارج الاعتصام، ما ولدّ حالة من الكراهية الشديدة للمجتمع خارج «دولة رابعة»، ساهمت فيها بشكل كبير ما سمى ب«جلسات النصح» أو الجلسات التربوية، التى كانت تلبس كذبًا وزورًا ثوب النقاش الديمقراطى، لكنها فى الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك (حسب شهادة موثقة سطرها بقلمه الزميل الصحفى النابه محمد إسماعيل فى جريدة «اليوم السابع» من داخل اعتصام رابعة قبل فضه)، بل كانت بمثابة عملية «تلقين» وحقن للأدمغة بما يريده لها قادة الاعتصام أن تعتقد فيه وتؤمن به، حتى ولو كان واضحًا أنه يلبس الباطل حقًا، ويقلب الحق باطلًا. هؤلاء من اسميهم «العائدون من رابعة»، وهم الذين يواجهون الشعب المصرى الآن ويواجههم، تمامًا مثلهم كمثل تنظيمات «العائدون من أفغانستان» و«العائدون من ألبانيا» و«العائدون من السودان»، التى تشكلت من أعضاء تنظيمى «الجماعة الإسلامية» و«الجهاد» (حلفاء «الإخوان» ورئيسهم المعزول محمد مرسى حاليا)، والتى عرفها الشعب المصرى طوال سنوات التسعينيات من القرن العشرين الماضى، ويتذكر بمرارة عملياتها الإجرامية ضد أفراد الشرطة، وأيضا ضد المدنيين الأبرياء فى أحياء القاهرة وعدة محافظات مصرية، خصوصًا فى الصعيد. حادث نقطة شرطة «النزهة الجديدة» وحادث بورسعيد، يوم (الجمعة) الماضية، واللذان أسفرا عن مقتل وإصابة عدد من مجندى الشرطة والجيش، إضافة إلى مواطن تصادف مروره فى مكان الحادث الأول، هما بداية موجات «العنف الجوال» الذى سيلجأ إليه أعضاء تنظيم «الإخوان» العائدون من «دولة رابعة» الذين تشبعوا بإخلاص بمشاعر الكراهية والغل تجاه المجتمع كله، خصوصًا أفراد الجيش والشرطة، طوال فترة إقامتهم فى الاعتصام الذى قيل عنه إنه كان سلميًّا. تساقط رؤوس الفتنة والإجرام من قيادات «الإخوان» المحرضة والمخططة لن يجعل موجة العنف تلك تتوقف قريبًا، بل إن سقوطهم سيزيد من تخبط وانهيار أعضاء «الخلايا المتجولة» نفسيًّا، فيلجؤون إلى عمليات انتقام عشوائية ضد أبرياء، وليس ضد الجيش والشرطة فقط، والمؤكد أن بعضهم يخطط الآن لتنفيذ عمليات اغتيال لرموز سياسية وإعلامية ووطنية معارضة، خصوصًا بعد أن تأكد فشل المسيرات والتظاهرات الجماعية الحاشدة التى كان «الإخوان» وحلفاؤهم يعولون عليها ك«ورقة تفاوض» مع الحكم الحالى، للضغط من أجل إنقاذ رقبة القيادات ولملمة ما تبقى من أشلاء التنظيم الإخوانى. عمليات «العنف المتنقل» هى إذن آخر ما تملكه شراذم «الإخوان» الهاربة، وتحذيرنا هنا ليس للخوف منها.. لكن لدق إنذار اليقظة والحذر من «العائدون من رابعة».