ليه بتسوأوا سمعة مصر؟ السؤال ده موجّه لكل السينمائيين اللي بيمثّلوا مصر (عارفين يعني إيه مصر؟) في الخارج. إشمعنى لازم دايماً تسوأوا سمعة البلد وتورّوا الفقر والجهل والذل والقهر اللي فيها لما ممكن تورّوا شوارعها النضيفة وناسها الطيبة ومنتجعاتها الجمیلة وأهراماتها العریقة؟ أي نعم البلد فيها فقر وجهل وذل وقهر، وأي نعم بنحتقر فيها الفقير والجاهل والمذلول والمقهور، إنما بلاش تفضحونا قدام الناس كدة. عيب. بس ثانية واحدة. إذا كانت السينما بتقدم صورة وحشة عننا برة مصر، هل العيب فيها وللا العيب في مصر؟ لا ده ولا ده حسب الفيلسوف جان بودريار، لأن سمعة مصر جزء من عملية تنسيخ، يعني مجرد نسخة في سلسلة كبيرة من نسخ للواقع المصري. بودريار كتب كتاب شهير في الثمانينات إسمه "Simulacres et simulation"، والعنوان عادةً مترجم "السيمولاكرا والمحاكاة". طبعاً اللي مهموم بسمعة مصر مايعرفش سيمولاكره من محاكاته، فالأفضل إن الواحد يترجم عنوان الكتاب "النسخ والتنسيخ". قال لك بودريار إننا بقينا عايشين في عالم مالوش علاقة بالواقع، عالم فاق الواقع، ومابقاش فيه حاجة اسمها الحقيقة إنما مجرد نسخها. والنسخ دي مش مجرد مستنسخة من الواقع، لأن ماعادش فيه واقع حقيقي وحيد نقدر نرجع له، إنما النسخ دي بقت "متنسّخة"، جزء من عملية تنسيخ للواقع شغّالة زي الشريط اللي مابيقفش. نرجع لسمعة مصر. سيبك من إن الأجانب اللي عايشين حالياً في العالم عمرهم ما سمعوا عن مصر في الغالب، واللي سمعوا عنها سمعوا عنها في الإعلام الأجنبي اللي مش راحم الحكومة المصرية، وسيبك من إن اللي بيحبوا السيما مابيتفرجوش على الأفلام المصرية أصلاً، واللي بيتفرجوا عليها عارفين سمعة مصر من الإعلام. يعني من الآخر مافيش بني آدم أجنبي بياخد فكرة إيجابية أو سلبية عن مصر من أفلامها، لأن أصلاً مافيش أجانب تقريباً بيتفرجوا على السينما المصرية. إيه اللي يخللي الإعلام المصري شغّال 24 ساعة نقد في فيلم زي اشتباك بتاع محمد دياب؟ إشمعنى هو اللي بوّظ سمعة مصر (منه لله)؟ فكرة سمعة مصر مجرد متنسخة، يعني ما بتمثّلش أي حاجة في الواقع الطبيعي بتاع البشر، إنما بقى جزء من تنسيخ مستمر بحكم إنه شغّال 24 ساعة في الجرايد والراديو والتلفزيونات. التنسيخ ده مش مجرد اشتغالة ولا تزييف للواقع، كأن الإعلاميين بيضحكوا عليك وخلاص، إنما هو ناجح لإننا أصلا مابنفكرش في الواقع بتاع البشر، وبقينا نفتكر إن سمعة مصر حاجة حقيقية، لها وجود واقعي وملموس، ونسينا الأجانب الواقعيين نفسهم اللي المفروض متأثرين بالسمعة الوحشة دي. يعني الناس بقت مقتنعة أشد اقتناع إن فيلم اشتباك سوّأ سمعة مصر، واللي يقول غير كده يبقى أهبل مش فاهم، وهي دي قوة التنسيخ. بودريار نفسه وقع في الفخ اللي كان بيشرحه، لأنه في كتاباته الأخيرة نسي الواقع الحقيقي بتاع البشر وقال إن ماعادش فيه حاجة إلا نسخ فوق نسخ، ومافيش أي حد يقدر يعرف أنهي نسخة الأفضل أو الأكثر اتصالاً بالواقع. لذلك أحب أفكركم إن مصر لها سمعة بجد، وإن السمعة دي سيئة عشان اللي بيحصل في البلد مش عشان محمد دياب (منه لله). الغريب في الأمر إن فكرة سمعة مصر وارتباطها بالسينما قوية لدرجة إن الحقائق البسيطة دي تبدو مزيفة، وممكن حد منكم يفتكرني باشتغلكم. إنما مافيش حد بيشتغل الثاني، لأن كل ما في الأمر إن فيه نسخ بتتزوّد فوق الثانية، مش بلا نهاية أكيد، إنما بطريقة تخللي الخيال يبدو واقعي والواقع يبدو خيالي. مش معنى كدة إننا عايشين في عالم مزيف، إنما إن العالم مابقاش مفهوم بالنسبة لنا إلا عن طريق نسخ مالهاش علاقة بالواقع بتاع البشر. وفي العالم ده، على رأي الهاشتاج، #الواقع_فشخ_الخيال.